للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مُفْتَقِرًا إِلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا إِلَّا بِهِ.

فَإِنَّ الْمَوْجُودَ لَا يَكُونُ مَوْجُودًا إِلَّا بِوُجُودِ لَوَازِمِهِ، وَلَا يَتِمُّ وُجُودُهُ إِلَّا بِهِ، فَكُلُّ مَا قُدِّرَ أَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا إِلَّا بِهِ.

فَإِذَا كَانَ كُلٌّ مِنَ الْقَدِيمَيْنِ مُحْتَاجًا إِلَى الْآخَرِ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مَوْجُودًا إِلَّا بِخَلْقِ ذَلِكَ مَا بِهِ تَتِمُّ حَاجَةُ الْآخَرِ، وَأَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مَوْجُودًا إِلَّا بِخَلْقِ ذَلِكَ مَا بِهِ تَتِمُّ حَاجَةُ الْآخَرِ.

وَالْخَالِقُ لَا يَكُونُ خَالِقًا حَتَّى يَكُونَ مَوْجُودًا، وَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا إِلَّا بِلَوَازِمِ وُجُودِهِ، فَيَلْزَمُ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا مَوْجُودًا حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ مَوْجُودًا، وَلَا يَكُونَ ذَاكَ مَوْجُودًا حَتَّى يَجْعَلَهُ الْآخَرُ مَوْجُودًا، إِذْ كَانَ جَعْلُهُ لِمَا لَمْ يَتِمَّ بِهِ وَجُودُهُ يَتَوَقَّفُ وَجُودُهُ عَلَيْهِ، فَلَا يَكُونُ مَوْجُودًا إِلَّا بِهِ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَحْتَاجَ أَحَدُهُمَا إِلَى الْآخَرِ فِي وُجُودِهِ، أَوْ فِيمَا لَا يَتِمُّ وُجُودُهُ إِلَّا بِهِ، وَهَذَا هُوَ الدَّوْرُ الْقَبْلِيُّ الْمُمْتَنِعُ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ.

وَأَمَّا الدَّوْرُ الْمَعِيُّ، وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُوجَدُ هَذَا إِلَّا مَعَ هَذَا، وَلَا هَذَا إِلَّا مَعَ هَذَا، كَالْأُبُوَّةِ مَعَ الْبُنُوَّةِ، وَكَصِفَاتِ الرَّبِّ بَعْضِهَا مَعَ بَعْضٍ، وَصِفَاتِهِ مَعَ ذَاتِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عَالِمًا إِلَّا مَعَ كَوْنِهِ قَادِرًا، وَلَا يَكُونُ عَالِمًا قَادِرًا إِلَّا مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا، وَلَا يَكُونُ حَيًّا إِلَّا مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا قَادِرًا، وَلَا تَكُونُ صِفَاتُهُ مَوْجُودَةً إِلَّا بِذَاتِهِ، وَلَا ذَاتُهُ مَوْجُودَةً إِلَّا بِصِفَاتِهِ، فَهَذَا جَائِزٌ فِي الْمَخْلُوقَيْنِ اللَّذَيْنِ يَفْتَقِرَانِ إِلَى الْخَالِقِ الَّذِي يُحْدِثُهُمَا جَمِيعًا، كَالْأُبُوَّةِ وَالْبُنُوَّةِ، وَجَائِزٌ فِي الرَّبِّ الْمُلَازِمِ لِصِفَاتِهِ تَعَالَى.

وَأَمَّا إِذَا قُدِّرَ قَدِيمَانِ أَزَلِيَّانِ رَبَّانِ فَاعِلَانِ، امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْتَاجًا إِلَى الْآخَرِ، إِذْ كَانَ وُجُودُهُ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِمَا يَحْتَاجُ وَجُودُهُ إِلَيْهِ، وَلَا يَكُونُ فَاعِلًا لِشَيْءٍ إِنْ لَمْ يَتِمَّ وُجُودُهُ، فَيَمْتَنِعُ مَعَ نَقْصِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>