للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدًا لَمْ يَعْبُدْ غَيْرَهُ، كَمَا يَقُولُ ابْنُ عَرَبِيٍّ مُصَوِّبًا لِقَوْمِ نُوحٍ الْكُفَّارِ: وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا، قَالَ: لِأَنَّ الدَّعْوَةَ إِلَى اللَّهِ مَكْرٌ بِالْمَدْعُوِّ، فَإِنَّهُ مَا عُدِمَ مِنَ الْبِدَايَةِ فَيُدْعَى إِلَى الْغَايَةِ (ادْعُوا إِلَى اللَّهِ) فَهَذَا عَيْنُ الْمَكْرِ، فَأَجَابُوهُ (مَكْرًا) كَمَا دَعَاهُمْ (مَكْرًا) فَقَالُوا فِي مَكْرِهِمْ: {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [نوح: ٢٣] إِذَا تَرَكُوهُمْ جَهِلُوا عَنِ الْحَقِّ عَلَى قَدْرِ مَا تَرَكُوا مِنْ هَؤُلَاءِ.

فَإِنَّ لِلْحَقِّ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ وَجْهًا، يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَهُ، وَيَجْهَلُهُ مَنْ جَهِلَهُ، كَمَا قَالَ فِي الْمُحَمَّدِيِّينَ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ} [الإسراء: ٢٣] . ; أَيْ حَكَمَ فَمَا حَكَمَ اللَّهُ بِشَيْءٍ إِلَّا وَقَعَ. فَالْعَارِفُ يَعْرِفُ مَنْ عَبَدَ، وَفِي أَيِّ صُورَةٍ ظَهَرَ حَتَّى عَبَدَ، وَأَنَّ التَّفْرِيقَ وَالْكَثْرَةَ كَالْأَعْضَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَحْسُوسَةِ، وَكَالْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةِ فِي الصُّوَرِ الرُّوحَانِيَّةِ، فَمَا عُبِدَ غَيْرُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ.

وَصَوَّبَ هَذَا الْمُلْحِدُ فِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>