للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَلَمَّا كَانَ فِرْعَوْنُ فِي مَنْصِبِ التَّحَكُّمِ صَاحِبَ الْوَقْتِ، وَأَنَّهُ الْخَلِيفَةُ بِالسَّيْفِ وَإِنْ جَارَ فِي الْعُرْفِ النَّامُوسِيِّ، لِذَلِكَ قَالَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى. ; أَيْ وَإِنْ كَانَ الْكُلُّ أَرْبَابًا بِنِسْبَةٍ مَا، فَأَنَا الْأَعْلَى مِنْهُمْ بِمَا أُعْطِيتُهُ فِي الظَّاهِرِ مِنَ الْحُكْمِ فِيكُمْ.

قَالَ: وَلَمَّا عَلِمَتِ السَّحَرَةُ صِدْقَ فِرْعَوْنَ فِيمَا قَالَهُ لَمْ يُنْكِرُوهُ، وَأَقَرُّوا لَهُ بِذَلِكَ وَقَالُوا لَهُ: إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ. فَالدَّوْلَةُ لَكَ.

قَالَ: فَصَحَّ قَوْلُ فِرْعَوْنَ: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى. وَإِنْ كَانَ فِرْعَوْنُ عَيْنَ الْحَقِّ.

وَصَوَّبَ أَيْضًا أَهْلَ الْعِجْلِ فِي عِبَادَتِهِمُ الْعِجْلَ، وَزَعَمَ أَنَّ مُوسَى رَضِيَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: وَلَمَّا كَانَ مُوسَى أَعْلَمَ بِالْأَمْرِ مِنْ هَارُونَ لِعِلْمِهِ بِأَنَّ اللَّهَ قَضَى أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَمَا حَكَمَ اللَّهُ بِشَيْءٍ إِلَّا وَقَعَ، كَانَ عَتْبُهُ عَلَى هَارُونَ لِإِنْكَارِهِ وَعَدَمِ اتِّسَاعِهِ، فَإِنَّ الْعَارِفَ مَنْ يَرَى الْحَقَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ مَنْ يَرَاهُ عَيْنَ كُلِّ شَيْءٍ.

وَمِنْ هَؤُلَاءِ طَائِفَةٌ لَا يَقُولُونَ بِثُبُوتِ الْأَعْيَانِ فِي الْعَدَمِ، بَلْ يَقُولُونَ: مَا ثَمَّ وُجُودٌ إِلَّا وُجُودُ الْحَقِّ.

لَكِنْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَيَّنِ، فَيَقُولُونَ: هُوَ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ السَّارِي فِي الْمَوْجُودَاتِ الْمُعَيَّنَةِ، كَالْحَيَوَانِيَّةِ الثَّابِتَةِ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ، وَالْإِنْسَانِيَّةِ الثَّابِتَةِ فِي كُلِّ إِنْسَانٍ، وَهَذَا الَّذِي يُسَمَّى الْكُلِّيَّ الطَّبِيعِيَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>