للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّادِسُ: قَوْلُكُمْ: (إِنَّ كَلِمَةَ الْإِنْسَانِ الْمَوْلُودَةَ مِنْ عَقْلِهِ تُكْتَبُ فِي الْقِرْطَاسِ، فَهِيَ فِي الْقِرْطَاسِ كُلُّهَا حَقًّا، مِنْ غَيْرِ أَنْ تُفَارِقَ الْعَقْلَ الَّذِي مِنْهُ وُلِدَتْ) ، إِلَى قَوْلِكُمْ: (الْكَلِمَةُ كُلُّهَا فِي الْعَقْلِ الَّذِي وَلَدَهَا، وَكُلُّهَا فِي الْقِرْطَاسِ الَّذِي الْتَحَمَتْ بِهِ) - مُكَابَرَةٌ ظَاهِرَةٌ، مَعْلُومَةُ الْفَسَادِ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْكَلَامِ فِي الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، لَيْسَ هُوَ عَيْنُ وُجُودِهِ مَكْتُوبًا فِي الْقِرْطَاسِ، بَلِ الْقَائِمُ بِقَلْبِ الْمُتَكَلِّمِ مَعَانٍ: طَلَبٌ وَخَبَرٌ وَعِلْمٌ وَإِرَادَةٌ، وَالْقَائِمُ بِنَفْسِهِ حُرُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ هِيَ أَصْوَاتٌ مُقَطَّعَةٌ، أَوْ هِيَ حُدُودُ أَصْوَاتٍ مُقَطَّعَةٍ، وَلَيْسَ فِي قَلْبِ الْإِنْسَانِ وَلَا فَمِهِ مِدَادٌ كَالْمِدَادِ الَّذِي فِي الْقِرْطَاسِ.

وَالْكَلَامُ مَكْتُوبٌ فِي الْقِرْطَاسِ بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقِرْطَاسِ عِلْمٌ وَطَلَبٌ وَخَبَرٌ قَائِمٌ بِهِ، كَمَا تَقُومُ بِقُلُوبِ الْمُتَكَلِّمِ، وَلَا قَامَ بِهِ أَصْوَاتٌ مُقَطَّعَةٌ مُؤَلَّفَةٌ، وَلَا حُرُوفٌ كَالْأَصْوَاتِ الْقَائِمَةِ بِفَمِ الْمُتَكَلِّمِ، بَلْ لَفْظُ الْحَرْفِ يُقَالُ عَلَى الْحَرْفِ الْمَكْتُوبِ: إِمَّا الْمِدَادِ الْمُصَوَّرِ، وَإِمَّا صُورَةِ الْمِدَادِ وَشَكْلِهِ. وَيُقَالُ عَلَى الْحَرْفِ الْمَنْطُوقِ: إِمَّا الصَّوْتُ الْمُقَطَّعُ، وَإِمَّا حَدُّ الصَّوْتِ وَمَقْطَعُهُ وَصُورَتُهُ.

وَكُلُّ عَاقِلٍ يُمَيِّزُ بِحِسِّهِ وَعَقْلِهِ بَيْنَ الصَّوْتِ الْمَسْمُوعِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ، وَبَيْنَ الْمِدَادِ الْمَرْئِيِّ بِالْبَصَرِ، وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إِنَّ هَذَا هُوَ هَذَا، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ هَذَا وَهَذَا هُوَ نَفْسُ الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِقَلْبِ الْمُتَكَلِّمِ، فَكَيْفَ تَقُولُونَ: إِنَّ الْكَلِمَةَ فِي الْقِرْطَاسِ كُلَّهَا، وَكُلَّهَا فِي الْعَقْلِ الَّذِي وَلَدَهَا، وَكُلَّهَا فِي نَفْسِهَا؟

<<  <  ج: ص:  >  >>