للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَارَةً يَقُولُونَ: تَكَلَّمَ وَيَتَكَلَّمُ حَقِيقَةً، وَلَكِنْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ خَلَقَ كَلَامًا فِي غَيْرِهِ، سَمِعَهُ مُوسَى، لَا أَنَّهُ نَفْسَهُ قَامَ بِهِ كَلَامٌ، وَهَذَا قَوْلُ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ.

وَزَيَّنَ هَذَا الْقَوْلَ بَعْضُ ذَوِي الْإِمَارَةِ، فَدَعَوْا إِلَيْهِ مُدَّةً وَأَظْهَرُوهُ، وَعَاقَبُوا مَنْ خَالَفَهُمْ، ثُمَّ أُطْفِئَ ذَلِكَ، وَأُظْهِرَ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، أَنَّ الْقُرْآنَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ كَلَامُ اللَّهِ، تَكَلَّمَ هُوَ بِهِ. مِنْهُ بَدَا، لَيْسَ بِبَائِنٍ مِنْهُ، وَلَيْسَ بِمَخْلُوقٍ خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ.

وَلَمَّا أَظْهَرَ اللَّهُ هَذَا، وَالنَّاسُ يَتْلُونَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ} [التوبة: ٦] صَارَ بَعْضُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ يَقُولُ: إِنَّمَا سَمِعَ صَوْتَ الْقَارِئِ، وَصَوْتُهُ مَخْلُوقٌ، وَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ، فَكَلَامُ اللَّهِ مَخْلُوقٌ.

وَلَمْ يُمَيِّزْ هَذَا بَيْنَ أَنْ يُسْمَعَ الْكَلَامُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِ بِهِ، كَمَا سَمِعَهُ مُوسَى مِنَ اللَّهِ بِلَا وَاسِطَةٍ، وَبَيْنَ أَنْ يُسْمَعَ مِنَ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ سُمِعَ كَلَامُ الْأَنْبِيَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَبَلِّغِينَ، لَمْ يَكُنْ صَوْتُ الْمُبَلِّغِ هُوَ صَوْتُ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ الْكَلَامُ كَلَامَ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ لَا كَلَامَ الْمُبَلِّغِ.

فَكَلَامُ اللَّهِ إِذَا سُمِعَ مِنَ الْمُبَلِّغِينَ عَنْهُ، أَوْلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>