لَا كَلَامُ الْمُبَلِّغِينَ، وَإِنْ بَلَّغُوهُ بِأَصْوَاتِهِمْ.
فَجَاءَتْ طَائِفَةٌ ثَانِيَةٌ فَقَالُوا: هَذَا الْمَسْمُوعُ أَلْفَاظُنَا وَأَصْوَاتُنَا، وَكَلَامُنَا لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ ; لِأَنَّ هَذَا مَخْلُوقٌ، وَكَلَامُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَخْلُوقٍ.
وَكَانَ مَقْصُودُ هَؤُلَاءِ، تَحْقِيقَ أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، فَوَقَعُوا فِي إِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقُرْآنُ كَلَامَ اللَّهِ، وَلَمْ يَهْتَدُوا إِلَى أَنَّهُ - وَإِنْ كَانَ كَلَامَ اللَّهِ، فَهُوَ كَلَامُ اللَّهِ مُبَلَّغًا عَنْهُ - لَيْسَ هُوَ كَلَامُهُ مَسْمُوعًا مِنْهُ، وَلَا يَلْزَمُ - إِذَا كَانَتْ أَفْعَالُ الْعِبَادِ وَأَصْوَاتُهُمْ مَخْلُوقَةً لَيْسَتْ هِيَ كَلَامُ اللَّهِ - أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ الَّذِي يَقْرَءُونَهُ بِأَفْعَالِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ كَلَامَهُمْ، وَيَكُونَ مَخْلُوقًا لَيْسَ هُوَ كَلَامُ اللَّهِ.
وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا: لَيْسَ هَذَا كَلَامَ اللَّهِ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ حِكَايَةٌ لِكَلَامِ اللَّهِ، وَطَرَدُوا ذَلِكَ فِي كُلِّ مَنْ بَلَّغَ كَلَامَ غَيْرِهِ أَنْ يَكُونَ مَا بَلَّغَهُ حِكَايَةً لِكَلَامِ الْمُبَلَّغِ عَنْهُ لَا كَلَامَهُ.
وَأَهْلُ الْحِكَايَةِ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ كَلَامَ الرَّبِّ يَتَضَمَّنُ حُرُوفًا مُؤَلَّفَةً، إِمَّا قَائِمًا بِذَاتِهِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، أَوْ مَخْلُوقَةً فِي غَيْرِهِ عَلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ، وَالْقَائِمُ بِذَاتِهِ مَعْنًى وَاحِدٌ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: الْحِكَايَةُ تُمَاثِلُ الْمَحْكِيَّ عَنْهُ، فَلَا نَقُولُ: هُوَ حِكَايَةٌ، بَلْ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْهُ، وَالتَّقْدِيرُ عِنْدَهُمْ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ عِبَارَتِهِ أَوْ حِكَايَتِهِ.
فَجَاءَتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ فَقَالَتْ: بَلْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْمَسْمُوعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute