وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ اللَّهَ تَكَلِّمُ بِغَيْرِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَلَا أَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ، وَلَا أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ أَوِ التَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ فِي الْأَزَلِ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ قَدِيمٍ، فَحَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ طَائِفَةٌ فَقَالُوا: إِنَّهُ قَدِيمٌ.
ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقَدِيمُ هُوَ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِالذَّاتِ، هُوَ مَعْنَى جَمِيعِ كَلَامِ اللَّهِ.
وَذَلِكَ الْمَعْنَى إِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ كِانَ تَوْرَاةً، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ كَانَ إِنْجِيلًا، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ كَانَ قُرْآنًا، وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ صِفَاتٌ لَهُ لَا أَنْوَاعٌ لَهُ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَالَ: بَلْ هُوَ قَدِيمٌ، وَهُوَ حُرُوفٌ، أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ أَزَلِيَّةٌ قَدِيمَةٌ، وَأَنَّهَا هِيَ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَالْقُرْآنُ.
فَقَالَ النَّاسُ لِهَؤُلَاءِ: خَالَفْتُمُ الشَّرْعَ وَالْعَقْلَ فِي قَوْلِكُمْ: إِنَّهُ قَدِيمٌ، وَابْتَدَعْتُمْ بِدْعَةً لَمْ يَسْبِقْكُمْ إِلَيْهَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفَرَرْتُمْ مِنْ مَحْذُورٍ إِلَى مَحْذُورٍ، كَالْمُسْتَجِيرِ مِنَ الرَّمْضَاءِ بِالنَّارِ.
ثُمَّ قَوْلُكُمْ: إِنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ - وَهُوَ مَدْلُولُ جَمِيعِ الْعِبَارَاتِ - مُكَابَرَةٌ لِلْعَقْلِ وَالشَّرْعِ؛ فَإِنَّا نَعْلَمُ - بِالِاضْطِرَارِ - أَنَّهُ لَيْسَ مَعْنَى آيَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute