للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْكُرْسِيِّ، هُوَ مَعْنَى آيَةِ الدَّيْنِ، وَلَا مَعْنَى {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: ١] هُوَ مَعْنَى سُورَةِ الْإِخْلَاصِ.

وَالتَّوْرَاةُ إِذَا عَرَّبْنَاهَا لَمْ تَصِرْ هِيَ الْقُرْآنُ الْعَرَبِيُّ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ، وَكَذَلِكَ إِذَا تَرْجَمْنَا الْقُرْآنَ بِالْعِبْرِيَّةِ، لَمْ يَكُنْ هُوَ تَوْرَاةُ مُوسَى.

وَقَوْلُ مَنْ قَالَ مِنْكُمْ: إِنَّهُ حُرُوفٌ، أَوْ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ أَزَلِيَّةٌ، ظَاهِرُ الْفَسَادِ، فَإِنَّ الْحُرُوفَ مُتَعَاقِبَةٌ، فَيَسْبِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَالْمَسْبُوقُ بِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ قَدِيمًا لَمْ يَزَلْ، وَالصَّوْتُ الْمُعَيَّنُ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ، فَكَيْفَ يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا؟

وَالسَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِقَوْلِكُمْ، لَكِنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ نَادَى مُوسَى بِصَوْتٍ سَمِعَهُ مُوسَى بِأُذُنِهِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ النُّصُوصُ.

وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ النِّدَاءَ الَّذِي سَمِعَهُ مُوسَى قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَلَكِنْ قَالُوا: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ صِفَةُ كَمَالٍ، لَا صِفَةُ نَقْصٍ، وَإِنَّمَا تَكُونُ صِفَةُ كَمَالٍ إِذَا قَامَ بِهِ، لَا إِذَا كَانَ مَخْلُوقًا بَائِنًا عَنْهُ، فَإِنَّ الْمَوْصُوفَ - إِلَّا بِمَا قَامَ بِهِ - لَا يَتَّصِفُ بِمَا هُوَ بَائِنٌ عَنْهُ، فَلَا يَكُونُ الْمَوْصُوفُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا مُتَكَلِّمًا رَحِيمًا مُرِيدًا بِحَيَاةٍ قَامَتْ بِغَيْرِهِ، وَلَا بِعِلْمٍ وَقُدْرَةٍ قَامَتْ بِغَيْرِهِ، وَلَا بِكَلَامٍ وَرَحْمَةٍ وَإِرَادَةٍ قَامَتْ بِغَيْرِهِ.

وَالْكَلَامُ بِمَشِيئَةِ الْمُتَكَلِّمِ وَقُدْرَتِهِ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَكُونُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ.

وَأَمَّا كَلَامٌ يَقُومُ بِذَاتِ الْمُتَكَلِّمِ بِلَا مَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَإِمَّا أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>