للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، كَيْفَ لَمْ يَفْصِلْ أَهْلُ الْخِلَافِ وَالشِّقَاقِ بَيْنَ الصِّنْفَيْنِ كِلَيْهِمَا؟ وَلَمْ يَفْهَمُوا أَنَّ هَاتَيْنِ الْخِلْقَتَيْنِ أَنَّهُمَا خِلْقَتَانِ ذَوَاتَا أَثْقَالٍ جُسْمَانِيَّةٍ غَلِيظَةٍ، لَيْسَ فِيهِمَا شَيْءٌ مِنَ الْخَلْقِ الرُّوحَانِيِّ اللَّطِيفِ الْخَفِيفِ، وَلِذَلِكَ لَا تَقْدِرُ الْأَثْقَالُ الْغَلِيظَةُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مِنْ وُجُوهِ الْخُلْطَةِ ; لِأَنَّهُمَا إِنِ اخْتَلَطَا خُلْطَةً مُلْتَحِمَةً مُمْتَزِجَةً، صَارَتْ إِلَى احْتِيَالٍ وَفَسَادٍ، وَإِنْ قَامَتْ عَلَى حَالِهَا، لَا تَلْتَحِمُ وَلَا يَمْتَزِجُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، فَهِيَ عَلَى وَجْهِ خُلْطَةِ الِافْتِرَاقِ، وَمُنْقَطِعَةٌ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، وَإِنْ جَمَعَهَا صَنَمٌ وَاحِدٌ أَوْ ثَوْبٌ وَاحِدٌ، فَلَيْسَ يُوجَدُ لِشَيْءٍ مِنَ الْأَثْقَالِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَجْهُ خُلْطَةٍ سِوَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَبَدًا، إِمَّا فَسَادٌ وَإِمَّا انْقِطَاعٌ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْخُلْطَةُ فِي اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا ثَقِيلٌ جُسْمَانِيٌّ، وَالْآخَرُ لَطِيفٌ رُوحَانِيٌّ، فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ مِنَ الْخُلْطَةِ: وَهِيَ خُلْطَةُ الْحُلُولِ بِلَا اخْتِلَاطٍ وَلَا احْتِيَالٍ، وَلَا فَسَادٍ وَلَا فُرْقَةٍ وَلَا انْقِطَاعٍ، لَكِنَّهَا نَفَاذُ الطَّبِيعَةِ الرُّوحَانِيَّةِ فِي الطَّبِيعَةِ الثَّقِيلَةِ السُّفْلِيَّةِ، حَتَّى تَنْتَشِرَ فِي جَمِيعِهَا وَتَحُلَّ بِكُلِّهَا، فَلَا يَبْقَى مَوْضِعٌ مِنَ الطَّبِيعَةِ الثَّقِيلَةِ السُّفْلِيَّةِ خِلْوًا مِنَ الطَّبِيعَةِ الرُّوحَانِيَّةِ، وَلَا احْتِيَالٌ مِنَ الثَّقِيلَةِ الْجُسْمَانِيَّةِ عَنْ طَبِيعَتِهَا الْغَلِيظَةِ الثَّقِيلَةِ، وَلَا تَغْيِيرٌ وَلَا فَسَادٌ لِإِحْدَاهُمَا، مِثْلَ خُلْطَةِ النَّفْسِ وَالْجَسَدِ، وَمِثْلَ خُلْطَةِ النَّارِ وَالْحَدِيدِ فِي قِوَامِ جَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَهِيَ جَمْرَةٌ وَاحِدَةٌ بِالْقِوَامِ مِنْ طَبِيعَةِ نَارٍ مُلْتَحِمَةٍ مُخَالِطَةٍ لِطَبِيعَةِ الْحَدِيدَةِ بِلَا فُرْقَةٍ مِنِ انْقِطَاعٍ، وَلَا تَخْلِيطِ احْتِيَالٍ وَفَسَادٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>