للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسِيحَ الَّذِي هُوَ الْمُبْتَدَأُ، الْمَوْضُوعُ الْمُخْبَرُ عَنْهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، هُوَ إِنْسَانٌ تَامٌّ وَإِلَهٌ تَامٌّ، يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ هُوَ نَفْسُ الْإِلَهِ.

وَلَوْ قِيلَ هَذَا فِي مَخْلُوقِينَ، فَقِيلَ: نَفْسُ الْمَلِكِ نَفْسُ الْبَشَرِ، لَكَانَ ظَاهِرَ الْبُطْلَانِ، فَكَيْفَ إِذَا قِيلَ فِي رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ لَا سِيَّمَا وَكَثِيرٌ مِنَ النَّصَارَى لَا يَقُولُونَ: إِنَّ جَسَدَ الْمَسِيحِ مَخْلُوقٌ، بَلْ يَصِفُونَ الْجَمِيعَ بِالْإِلَهِيَّةِ، وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ أَئِمَّتِهِمُ الْقَائِلِينَ: إِنَّ الْمَسِيحَ إِلَهٌ تَامٌّ، لَكِنَّهُمْ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا - مَعَ ذَلِكَ -: وَهُوَ إِنْسَانٌ تَامٌّ، فَكَأَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ الْخَالِقُ لَيْسَ هُوَ الْخَالِقُ، هُوَ مَخْلُوقٌ لَيْسَ هُوَ مَخْلُوقٌ، فَجَمَعُوا بَيْنَ النَّقِيضَيْنِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِ النَّصَارَى، لَا سِيَّمَا وَاتِّحَادُ اللَّاهُوتِ بِنَاسُوتِ الْمَسِيحِ - عِنْدَهُمْ - اتِّحَادٌ لَازِمٌ، لَمْ يُفَارِقْهُ الْبَتَّةَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْلَغُ مِنَ الِاتِّحَادِ الْعَارِضِ، وَمِنْ أَنَّ الرَّبَّ كَانَ مُتَّحِدًا بِجَسَدٍ لَا رُوحَ فِيهِ، ثُمَّ بِالْجَسَدِ مَعَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، ثُمَّ بِالْجَسَدِ بَعْدَ مُفَارَقَةِ الرُّوحِ لَهُ، وَحَيْثُ دُفِنَ فِي الْقَبْرِ وَوُضِعَ التُّرَابُ عَلَيْهِ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِنْسَانَ إِذَا كَانَتْ فِيهِ النَّفْسُ وَجُعِلَتْ فِي التُّرَابِ مَعَهُ، تَأَلَّمَتِ النَّفْسُ أَلَمًا شَدِيدًا، ثُمَّ تُفَارِقُ الْبَدَنَ.

وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَسِيحَ صُلِبَ وَمَاتَ، فَفَارَقَتْهُ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ، وَصَارَ الْجَسَدُ لَا رُوحَ فِيهِ، وَاللَّاهُوتُ - مَعَ هَذَا - مُتَّحِدٌ لَمْ يُفَارِقْهُ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ، وَاللَّاهُوتُ مُتَّحِدٌ بِهِ، فَيَجْعَلُونَ اتِّحَادَهُ بِهِ أَبْلَغَ مِنِ اتِّحَادِ النَّفْسِ بِالْبَدَنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>