إِلَيْهِمَا كَمَا تَصِلُ إِلَيْهِمَا لَذَّةُ الْأَكْلِ وَالْجِمَاعِ.
بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ الْجِنِّيَّ إِذَا دَخَلَ فِي الْإِنْسِيِّ وَصَرَعَهُ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهِ، فَإِنَّ الْإِنْسِيَّ يَتَغَيَّرُ، حَتَّى يَبْقَى الصَّوْتُ وَالْكَلَامُ الَّذِي يُسْمَعُ مِنْهُ، لَيْسَ هُوَ صَوْتُهُ وَكَلَامُهُ الْمَعْرُوفُ.
وَإِذَا ضُرِبَ بَدَنُ الْإِنْسِيِّ، فَإِنَّ الْجِنِّيَّ يَتَأَلَّمُ بِالضَّرْبِ وَيَصِيحُ وَيَصْرُخُ، وَيَخْرُجُ مِنْهُ أَلَمُ الضَّرْبِ، كَمَا قَدْ جَرَّبَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يُحْصَى، وَنَحْنُ قَدْ فَعَلْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يَطُولُ وَصْفُهُ.
فَإِذَا كَانَ الْجِنِّيُّ تَتَغَيَّرُ صِفَاتُهُ وَأَحْوَالُهُ لِحُلُولِهِ فِي الْإِنْسِيِّ، فَكَيْفَ بِنَفْسِ الْإِنْسَانِ؟
وَعِنْدَهُمُ اتِّحَادُ اللَّاهُوتِ بِالنَّاسُوتِ أَتَمُّ وَأَكْمَلُ مِنَ اتِّحَادِ النَّفْسِ بِالْجَسَدِ.
فَهَلْ يَقُولُ عَاقِلٌ - مَعَ هَذَا الِاتِّحَادِ -: إِنَّهُمَا جَوْهَرَانِ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَفْعَالٌ اخْتِيَارِيَّةٌ، لَا يَشْرَكُهُ الْآخَرُ فِيهَا.
وَيَقُولُونَ - مَعَ قَوْلِهِمْ بِالِاتِّحَادِ -: إِنَّ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي وَيَصُومُ، وَيَدْعُو وَيَتَضَرَّعُ، وَيَتَكَلَّمُ وَيَتَأَلَّمُ، وَيُضْرَبُ وَيُصْلَبُ، هُوَ نَظِيرُ الْبَدَنِ، وَالَّذِي كَانَ يَأْمُرُ وَيَنْهَى، وَيَخْلُقُ وَيَرْزُقُ، هُوَ نَظِيرُ النَّفْسِ.
هَذَا مَعَ قَوْلِهِمْ: إِنَّ مَرْيَمَ وَلَدَتِ اللَّاهُوتَ مَعَ النَّاسُوتِ، وَأَنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا وَقَبْلَ حَيَاتِهِ وَعِنْدَ مَمَاتِهِ، وَالْجَسَدُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَسَائِرِ أَجْسَادِ الْآدَمِيِّينَ، لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ خَصَائِصِ الرَّبِّ أَصْلًا، بَلْ وَلَا بَعْدَ إِتْيَانِهِ بِالْآيَاتِ، فَإِنَّ تِلْكَ كَانَ يَجْرِي مِثْلُهَا وَأَعْظَمُ مِنْهَا عَلَى يَدِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute