للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَنْبِيَاءِ، فَهَذَا أَقْرَبُ أَمْثَالِهِمْ وَقَدْ ظَهَرَ فَسَادُهُ.

وَأَبْعَدُ مِنْهُ وَأَشَدُّ فَسَادًا، تَمْثِيلُهُمْ ذَلِكَ بِالنَّارِ وَالْحَدِيدِ.

وَمَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ لَهُ خِبْرَةٌ، أَنَّ النَّارَ إِذَا اتَّصَلَتْ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَجْسَامِ الْحَيَوَانِيَّةِ وَالنَّبَاتِيَّةِ وَالْمَعْدِنِيَّةِ، مِثْلَ جَسَدِ الْإِنْسَانِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلَ الْخَشَبِ وَالْقَصَبِ وَالْقُطْنِ وَغَيْرِهِ، وَمِثْلَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَإِنَّهَا تُغَيِّرُ ذَلِكَ الْجَسَدَ وَتُبَدِّلُ صِفَاتِهِ عَمَّا كَانَتْ، فَتَحْرِقُهُ، أَوْ تُذِيبُهُ، أَوْ تُلِينُهُ، وَالنَّارُ الْمُخْتَلِطَةُ بِهِ لَا تَبْقَى نَارًا مَحْضَةً، بَلْ تَسْتَحِيلُ وَتَتَغَيَّرُ أَيْضًا.

فَقَوْلُ هَؤُلَاءِ: وَمِثْلَ مَا تَخْتَلِطُ النَّارُ وَالْحَدِيدُ، فَيَلْتَحِمَانِ جَمِيعًا، فَيَكُونَانِ جَمْرَةً وَاحِدَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ النَّارُ تَغَيَّرَتْ، إِلَى أَنْ تَكُونَ حَدِيدَةً ثَقِيلَةً تَشُجُّ وَتَقْطَعُ، وَلَا الْحَدِيدَةُ تَغَيَّرَتْ وَاسْتَحَالَتْ إِلَى أَنْ تَكُونَ نَارًا تَحْرِقُ) ، كَلَامٌ بَاطِلٌ مُلْبِسٌ، فَإِنَّ الْجَمْرَةَ لَيْسَتْ حَدِيدَةً مَحْضَةً، وَلَا نَارًا مَحْضَةً، بَلْ نَوْعًا ثَالِثًا.

وَقَوْلُهُ: (لَمْ تَتَغَيَّرِ النَّارُ إِلَى أَنْ تَصِيرَ حَدِيدَةً، وَلَا الْحَدِيدَةُ إِلَى أَنْ تَصِيرَ نَارًا) - تَلْبِيسٌ.

فَإِنَّ الِاخْتِلَاطَ لَا يَتَضَمَّنُ الِاسْتِحَالَةَ وَالتَّغَيُّرَ، كَاخْتِلَاطِ الْكَثِيفَيْنِ الَّذِي سَلَّمَهُ مِثْلَ الْمَاءِ وَالْخَمْرِ، وَالْمَاءِ وَالْعَسَلِ، وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ، وَالذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ، قَدْ قَالَ فِيهِ: إِنَّهُ لَا الْخَمْرُ خَمْرٌ، وَلَا الْمَاءُ مَاءٌ بَعْدَ اخْتِلَاطِهِمَا، وَلَكِنَّهُمَا اسْتَحَالَا جَمِيعًا عَنْ جَوْهَرِهِمَا، فَصَارَا إِلَى أَمْرٍ مُتَغَيِّرٍ لَيْسَ هُوَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ، وَلَا أَحَدُهُمَا خَالِصًا مِنَ الْفَسَادِ وَالِاسْتِحَالَةِ عَنْ حَالِهِ.

فَيُقَالُ لَهُ: فَهَذَا الَّذِي سَلَّمْتَ فِيهِ الْفَسَادَ وَالِاسْتِحَالَةَ، لَمْ يَصِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>