للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَفْظُ الضِّيَاءِ وَالنُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، يُرَادُ بِهِ الشَّيْءُ بِنَفَسِهِ الْمُسْتَنِيرُ، كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَكَالنَّارِ، قَالَ تَعَالَى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: ٥] وَقَالَ: {وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا} [النبأ: ١٣] وَسَمَّى سُبْحَانَهُ الشَّمْسَ سِرَاجًا وَضِيَاءً ; لِأَنَّ فِيهَا مَعَ الْإِنَارَةِ وَالْإِشْرَاقِ تَسْخِينًا وَإِحْرَاقًا، فَهِيَ بِالنَّارِ أَشْبَهُ بِخِلَافِ الْقَمَرِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَعَ الْإِنَارَةِ تَسْخِينًا، فَلِهَذَا قَالَ: {جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا} [يونس: ٥]

وَالْمَقْصُودُ هُنَا، أَنَّ لَفْظَ الضِّيَاءِ وَالنُّورِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُرَادُ بِهِ الشَّيْءُ الْمُسْتَنِيرُ الْمُضِيءُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ، كَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنَّارِ، وَيُرَادُ بِهِ الشُّعَاعُ الَّذِي يَحْصُلُ بِسَبَبِ ذَلِكَ فِي الْهَوَاءِ وَالْأَرْضِ، وَهَذَا الثَّانِي عَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ لَيْسَ هُوَ الْأَوَّلُ، وَلَا صِفَةٌ قَائِمَةٌ بِالْأَوَّلِ، وَلَكِنَّهُ حَادِثٌ بِسَبَبِهِ.

فَالشُّعَاعُ الَّذِي هُوَ الضَّوْءُ وَالنُّورُ الْحَاصِلُ عَلَى الْمَاءِ وَالطِّينِ وَالْهَوَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، هُوَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَلَيْسَ هُوَ مُتَّحِدًا بِهِ الْبَتَّةَ.

فَهَذَا الْمَثَلُ لَوْ ضَرَبَتْهُ النُّسْطُورِيَّةُ الَّذِينَ يَقُولُونَ: (إِنَّ النَّاسُوتَ وَاللَّاهُوتَ جَوْهَرَانِ بِطَبِيعَتَيْنِ، حَلَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ) ، لَكَانَ تَمْثِيلًا بَاطِلًا، فَإِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَحُلَّ بِغَيْرِهَا، وَلَا صَارَتْ مَشِيئَتُهَا وَمَشِيئَةُ غَيْرِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>