للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهَذَا مَثَلُهُمْ الثَّانِي الَّذِي ضَرَبُوهُ لِلَّهِ، حَيْثُ شَبَّهُوا الْمَسِيحَ أَوِ اللَّهَ مَعَ الْإِنْسَانِ بِالنَّفْسِ مَعَ الْجَسَدِ، وَشَبَّهُوهُ بِالنَّارِ مَعَ الْحَدِيدِ، وَهَذَا الْمَثَلُ أَشَدُّ فَسَادًا وَأَظْهَرُ.

وَأَمَّا الْمَثَلُ الثَّالِثُ - وَهُوَ تَمْثِيلُ ذَلِكَ بِالشَّمْسِ مَعَ الْمَاءِ وَالطِّينِ -: فَهُوَ أَشَدُّ فَسَادًا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا كَمَا تَقَدَّمَ: (وَمَثَلُ الشَّمْسِ الْمُخَالِطَةِ لِلْمَاءِ وَالطِّينِ وَكُلِّ رُطُوبَةٍ وَحَمْأَةٍ، فَهِيَ لَا تَتَغَيَّرُ وَلَا تَسْتَحِيلُ عَنْ نُورِهَا وَبَقَائِهَا وَضَوْئِهَا، مَعَ مُخَالَطَتِهَا كُلَّ سَوَادٍ وَوَسَخٍ وَنَتَنٍ وَنَجَسٍ) .

فَيُقَالُ: أَمَّا جِرْمُ الشَّمْسِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ فَلَمْ يُخَالِطْ شَيْئًا مِنَ الْمَاءِ وَالطِّينِ، وَلَا اتَّحَدَ بِهِ وَلَا حَلَّ فِيهِ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ، بَلْ بَيْنَهُمَا مِنَ الْبُعْدِ مَا لَا يُقَدِّرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ - تَعَالَى - أَجَلُّ وَأَعْظَمُ وَأَبْعَدُ مِنْ مُخَالَطَةِ الْإِنْسَانِ مِنَ الشَّمْسِ لِلْمَاءِ وَالطِّينِ.

فَإِذَا كَانَتِ الشَّمْسُ نَفْسُهَا لَمْ تَتَّحِدْ، وَلَمْ تَخْتَلِطْ وَلَا حَلَّتْ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، بَلْ وَلَا بِغَيْرِهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، فَرَبُّ الْعَالَمِينَ أَوْلَى أَنْ يُنَزَّهَ عَنِ الِاتِّحَادِ وَالِاخْتِلَاطِ وَالْحُلُولِ بِشَيْءٍ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ.

وَلَكِنَّ شُعَاعَ الشَّمْسِ حَلَّ بِالْمَاءِ وَالطِّينِ وَالْهَوَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَقُومُ بِهِ الشُّعَاعُ، كَمَا يَحُلُّ شُعَاعُ النَّارِ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيطَانِ، وَإِنْ كَانَ نَفْسُ جِرْمِ النَّارِ الْقَائِمِ بِنَفْسِهِ الَّذِي فِي ذُبَالَةِ الْمِصْبَاحِ هُوَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، لَمْ تَحُلَّ ذَاتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ تِلْكَ الْمَوَاضِعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>