للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِهَذَا ذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُمْ كَرِهُوا أَنْ يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ فِي حُلُولِ كَلَامِ اللَّهِ فِي الْعِبَادِ بِنَفْيٍ أَوْ إِثْبَاتٍ، فَإِنَّ لَفْظَ " الْحُلُولِ " لَفْظٌ مُجْمَلٌ يُرَادُ بِهِ مَعْنًى بَاطِلٌ، وَيُرَادُ بِهِ مَعْنًى حَقٌّ.

وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ لَفْظُ " الْحُلُولِ " بِالْمَعْنَى الصَّحِيحِ، فَتَأَوَّلَهُ مَنْ فِي قَلْبِهِ زَيْغٌ، كَالنَّصَارَى وَأَشْبَاهِهِمْ عَلَى الْمَعْنَى الْبَاطِلِ، وَقَابَلَهُمْ آخَرُونَ أَنْكَرُوا هَذَا الِاسْمَ بِجَمِيعِ مَعَانِيهِ، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ بَاطِلٌ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ النَّاسَ يَقُولُونَ: أَنْتَ فِي قَلْبِي، أَوْ سَاكِنٌ فِي قَلْبِي، وَأَنْتَ حَالٌّ فِي قَلْبِي، وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَهُمْ لَا يُرِيدُونَ أَنَّ ذَاتَهُ حَلَّتْ فِيهِ، وَلَكِنْ يُرِيدُونَ أَنَّ تَصَوُّرَهُ وَتَمَثُّلَهُ وَحُبَّهُ وَذِكْرَهُ حَلَّ فِي قَلْبِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظَائِرُ ذَلِكَ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا، أَنَّ النُّسْطُورِيَّةَ لَوْ شَبَّهُوا مَا يَدَّعُونَهُ مِنِ اتِّحَادٍ وَحُلُولٍ بِالشُّعَاعِ مَعَ الطِّينِ، كَانَ تَمْثِيلُهُمْ بَاطِلًا، فَكَيْفَ بِالْمَلَكِيَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَعْظَمُ بَاطِلًا وَضَلَالًا؟ فَقَوْلُهُمْ: (وَمَثَلُ الشَّمْسِ الْمُخَالِطَةِ لِلطِّينِ وَالْمَاءِ وَكُلِّ رُطُوبَةٍ وَحَمْأَةٍ) ، تَمْثِيلٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

مِنْهَا: أَنَّ الشَّمْسَ نَفْسَهَا لَمْ تَتَّحِدْ وَلَمْ تَحُلَّ بِغَيْرِهَا، بَلْ ذَلِكَ شُعَاعُهَا.

وَمِنْهَا: أَنَّ الشُّعَاعَ نَفْسَهُ لَمْ يَتَّحِدْ بِالْمَاءِ وَالطِّينِ، وَلَكِنْ حَلَّ بِهِ وَقَامَ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>