للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَشَدُّ مِمَّا بَيْنَ الْمَاءِ وَالْقُلَّةِ، فَإِنَّ الْمَاءَ جِرْمٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ، وَهَذَا عَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ، وَالْجِسْمُ بِالْجِسْمِ أَشْبَهُ مِنَ الْجِسْمِ بِالْعَرَضِ.

وَالْإِلَهُ عِنْدَهُمْ مَخَالِطٌ لِجَمِيعِ نَاسُوتِ الْمَسِيحِ، لَمْ يَخْلُ جُزْءٌ مِنْهُ مِنِ اتِّحَادِ الْإِلَهِ بِهِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ هَذَا؟

وَإِذَا قِيلَ: إِنَّ الشُّعَاعَ لَمْ يَسْتَحِلْ عَنْ نُورِهِ وَنَقَائِهِ وَضَوْئِهِ مَعَ مُخَالَطَتِهِ كُلَّ سَوَادٍ وَوَسَخٍ وَنَتَنٍ وَنَجَسٍ، لَمْ يَكُنْ مَثَلًا يُطَابِقُهُ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُخَالِطِ الشُّعَاعُ غَيْرَهُ.

ثُمَّ يُقَالُ: إِنْ أَرَادَ بِمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ نَفْسَ الشُّعَاعِ الْقَائِمِ بِالْمَحَلِّ، فَهَذَا مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الشُّعَاعَ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ مَحَلِّهِ، فَيُرَى فِي الْأَحْمَرِ أَحْمَرَ، وَفِي الْأَسْوَدِ أَسْوَدَ، وَفِي الْأَزْرَقِ أَزْرَقَ، حَتَّى إِنَّ الزُّجَاجَ الْمُخْتَلِفَ الْأَلْوَانِ إِذَا صَارَ مَطْرَحًا لِلشُّعَاعِ، ظَهَرَ الشُّعَاعُ مُتَلَوِّنًا بِتَلَوُّنِ الزُّجَاجِ، فَيُرَى أَحْمَرَ وَأَزْرَقَ وَأَصْفَرَ.

وَقَدْ ضَرَبَ أَهْلُ الْإِلْحَادِ الْقَائِلُونَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، وَأَنَّ وُجُودَ الْخَالِقِ هُوَ وُجُودُ الْمَخْلُوقِ - لِلَّهِ أَمْثَالًا بَاطِلَةً شَرًّا مِنْ أَمْثَالِ النَّصَارَى، وَلَهُمْ مَثَلُ السَّوْءِ، وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَكَانَ مِمَّا ضَرَبُوهُ لِلَّهِ مِنَ الْأَمْثَالِ أَنْ شَبَّهُوهُ بِالشُّعَاعِ فِي الزُّجَاجِ.

فَالْأَعْيَانُ الثَّابِتَةُ فِي الْعَدَمِ - عِنْدَهُمْ - هِيَ الْمُمْكِنَاتُ، وَوُجُودُ الْحَقِّ قَاضٍ عَلَيْهَا، فَشَبَّهُوا وُجُودَهُ بِالشُّعَاعِ، وَأَعْيَانَهُمْ بِالزُّجَاجِ، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ:

مِنْهَا: أَنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ أَعْيَانَ الْمُمْكِنَاتِ ثَابِتَةٌ فِي الْعَدَمِ - قَوْلٌ بَاطِلٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>