فَإِنْ قَالَ: لَا أَتَصَوَّرُ مَا أَقُولُ وَلَا أَفْقَهُهُ وَلَا أَعْقِلُهُ، قِيلَ لَهُ: فَقَدْ قُلْتَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُ، وَقَفَوْتَ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ.
وَمِنْ أَعْظَمِ الْقَبَائِحِ الْمُحَرَّمَةِ فِي جَمِيعِ الشَّرَائِعِ، أَنْ يَقُولَ الْإِنْسَانُ بِرَأْيِهِ عَلَى اللَّهِ قَوْلًا لَا يَتَصَوَّرُهُ وَلَا يَفْهَمُهُ.
وَجَمِيعُ الْعُقَلَاءِ يَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ قَالَ قَوْلًا وَهُوَ لَا يَتَصَوَّرُهُ وَلَا يَفْقَهُهُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ مَرْدُودٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ، وَإِنَّ قَوْلَهُ مِنَ الْبَاطِلِ الْمَذْمُومِ.
وَإِنْ قَالَ قَائِلُهُمْ: إِنِّي أَفْقَهُ مَا أَقُولُ وَأَتَصَوَّرُهُ وَأَعْقِلُهُ، قِيلَ لَهُ: بَيِّنْهُ لِغَيْرِكَ حَتَّى يَفْقَهَهُ وَيَعْقِلَهُ وَيَتَصَوَّرَهُ، وَلَا تَقُلْ هُوَ فَوْقَ الْعَقْلِ، بَلْ هُوَ قَوْلٌ قَدْ عَقِلْتَهُ وَفَقِهْتَهُ، وَهَذَا تَقْسِيمٌ لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ.
فَإِنَّهُمْ إِنْ كَانُوا يَفْقَهُونَ مَا يَقُولُونَ وَيَعْقِلُونَهُ، لَزِمَ أَنْ يَكُونَ مَعْقُولًا.
وَإِنْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَهُ وَلَا يَعْقِلُونَهُ، لَزِمَ أَنَّهُمْ قَالُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا يَفْقَهُونَهُ وَلَا يَعْقِلُونَهُ قَوْلًا بِرَأْيِهِمْ وَعَقْلِهِمْ، لَا نَقْلًا لِأَلْفَاظِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ مَنْ نَقَلَ أَلْفَاظَ الْأَنْبِيَاءِ الثَّابِتَةَ عَنْهُمْ، لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَفْقَهَ وَيَعْقِلَ مَا يَقُولُ.
وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - « (نَضَّرَ اللَّهُ امْرَءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَبَلَّغَهُ إِلَى مَنْ لَمْ يَسْمَعْهُ، فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ غَيْرِ فَقِيهٍ، وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ) » . فَقَدْ يَحْفَظُ الرَّجُلُ كَلَامًا فَيُبَلِّغُهُ غَيْرَهُ وَهُوَ لَا يَفْقَهُ مَعْنَاهُ وَلَا يَعْقِلَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute