للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُنَازِعُهُمْ فِيهِ آخَرُونَ.

فَلَيْسَ هَذَا هُوَ الْعَقْلِيَّاتُ الَّتِي لَا يَجِبُ لِأَجْلِهَا رَدُّ الْحِسِّ وَالسَّمْعِ، وَتُبْنَى عَلَيْهَا عُلُومُ بَنِي آدَمَ، بَلْ الْمَعْقُولَاتُ الصَّحِيحَةُ الدَّقِيقَةُ الْخَفِيَّةُ، تُرَدُّ إِلَى مَعْقُولَاتٍ بَدِيهِيَّةٍ أَوَّلِيَّةٍ، بِخِلَافِ الْعَقْلِيَّاتِ الصَّرِيحَةِ، مِثْلَ كَوْنِ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ لَا يَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ مَعًا، فَإِنَّ هَذَا مَعْلُومٌ بِفِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا.

فَإِذَا جَاءَ فِي الْحِسِّ أَوِ الْخَبَرِ الصَّحِيحِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ يُخَالِفُ ذَلِكَ، مِثْلَ أَنْ يُرَى الشَّخْصُ الْوَاحِدُ فِي عَرَفَاتَ وَهُوَ فِي بَلَدِهِ لَمْ يَبْرَحْ، أَوْ يُرَى قَاعِدًا فِي مَكَانِهِ وَهُوَ فِي مَكَانٍ آخَرَ، أَوْ يُرَى أَنَّهُ أَغَاثَ مَنِ اسْتَغَاثَ بِهِ، أَوْ جَاءَ طَائِرًا فِي الْهَوَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ فِي مَكَانِهِ لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ، فَهَذَا إِنَّمَا هُوَ جِنِّيٌّ تَصَوَّرَ بِصُورَةِ ذَلِكَ الشَّخْصِ، لَيْسَ هُوَ نَفْسُهُ، فَهَذَا يُشْبِهُهُ لَيْسَ هُوَ إِيَّاهُ.

وَالْحِسِّيَّاتُ إِنْ لَمْ يُمَيَّزْ بَيْنَهَا بِالْعَقْلِ، وَإِلَّا فَالْحِسُّ يَغْلَطُ كَثِيرًا، فَكَذَلِكَ مَنِ ادَّعَى فِيمَا حَصَلَ لَهُ مِنَ الْمُكَاشَفَةِ وَالْمُخَاطَبَةِ أَمْرًا يُخَالِفُ صَرِيحَ الْعَقْلِ يُعْلَمُ أَنَّهُ غَالِطٌ فِيهِ، كَمَنْ قَالَ مِنَ الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ: (إِنِّي أَشْهَدُ بِبَاطِنِي وُجُودًا مُطْلَقًا مُجَرَّدًا عَنِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>