للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالضَّوْءِ الشُّعَاعَ الْقَائِمَ بِالْهَوَاءِ وَالْجُدْرَانِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ هَذَا بِجَوْهَرٍ، لَا لَطِيفٍ وَلَا كَثِيفٍ، بَلْ هُوَ عَرَضٌ قَائِمٌ بِغَيْرِهِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: قَوْلُكُمْ: " إِنَّ الْجَوْهَرَ اللَّطِيفَ لَا يَقْبَلُ عَرَضًا " كَلَامٌ مَمْنُوعٌ، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا. فَإِنَّ نَفْسَ الْإِنْسَانِ تَقْبَلُ الْأَعْرَاضَ الْقَائِمَةَ بِهَا، وَكَذَلِكَ النَّفْسُ الْفَلَكِيَّةُ - عِنْدَ مَنْ أَثْبَتَهَا - تَقُومُ بِهَا إِرَادَاتٌ وَتَصَوُّرَاتٌ مُتَجَدِّدَةٌ. وَلَفْظُ " الْعَرَضِ " فِي اصْطِلَاحِ النُّظَّارِ يُرَادُ بِهِ مَا قَامَ بِغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ صِفَةً لَازِمَةً أَوْ عَارِضَةً، وَهَذَا مُوجَبُ تَقْسِيمِ النَّصَارَى، كَمَا هُوَ قَوْلُ الْفَلَاسِفَةِ.

فَإِنَّهُمْ قَالُوا: لَيْسَ فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ؛ لِأَنَّهُ أَيُّ أَمْرٍ نَظَرْنَاهُ وَجَدْنَاهُ إِمَّا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُفْتَقِرٍ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْجَوْهَرُ، وَإِمَّا مُفْتَقِرٌ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ، لَا قِوَامَ لَهُ بِنَفْسِهِ وَهُوَ " الْعَرَضُ " قَالُوا: " وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِهَذَيْنَ قِسْمٌ ثَالِثٌ ".

وَهَذَا الَّذِي قَالُوهُ هُوَ تَقْسِيمُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ يُسَمِّي الْمَبْدَأَ الْأَوَّلَ جَوْهَرًا وَهَذَا تَقْسِيمُ سَائِرِ النُّظَّارِ. لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُدْخِلُونَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِي مُسَمَّى الْجَوْهَرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُدْخِلُهُ فِيهِ، وَبَعْضُ النِّزَاعِ فِي ذَلِكَ لَفْظِيٌّ.

وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوهُ؛ فَالضَّوْءُ الْقَائِمُ بِالْأَرْضِ وَالْهَوَاءِ عَرَضٌ لَيْسَ جَوْهَرًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَهُمْ قَدْ جَعَلُوهُ جَوْهَرًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ بَيِّنٌ. وَأَيْضًا فَالْجَوَاهِرُ اللَّطِيفَةُ تَقُومُ بِهَا الْأَعْرَاضُ؛ كَالْحَيَاةِ وَالْعِلْمِ، بَلْ وَالرَّبُّ - عَلَى قَوْلِهِمْ - تَقُومُ بِهِ الْحَيَاةُ وَالْعِلْمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>