للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَيُقَالُ: مَعْلُومٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ، أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ نُبُوَّةِ كُلِّ نَبِيٍّ أَنْ يُبَشِّرَ بِهِ مَنْ قَبْلَهُ؛ إِذِ النُّبُوَّةُ ثَابِتَةٌ بِدُونِ ذَلِكَ، لَاسِيَّمَا وَنُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَغَيْرُهُمَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ بَشَّرَ بِهِمَا مَنْ قَبْلَهُمَا، وَكَذَا عَامَّةُ الْأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ قَامُوا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ تَتَقَدَّمْ بِهِمْ بِشَارَاتٌ؛ إِذْ كَانُوا لَمْ يُبْعَثُوا بِشَرِيعَةٍ نَاسِخَةٍ، كداودَ وَأَشْعَيَا وَغَيْرِهِمَا.

وَإِنَّمَا قَدْ يُدَّعَى هَذَا فِيمَنْ جَاءَ بِنَسْخِ شَرْعِ مَنْ قَبْلَهُ، كَمَا جَاءَ الْمَسِيحُ بِنَسْخِ بَعْضِ أَحْكَامِ التَّوْرَاةِ، وَكَذَلِكَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَفِي مِثْلِ هَذَا يَتَنَازَعُ الْمُتَنَازِعُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ: هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ قَدْ أُخْبِرَ بِذَلِكَ قَبْلَ النَّسْخِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.

وَحِينَئِذٍ فَالْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَ: شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ لَمْ تَشْرَعْ شَرْعًا مُطْلَقًا، بَلْ مُقَيَّدًا إِلَى أَنْ يَأْتِيَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهَذَا مِثْلُ الْحُكْمِ الْمُؤَقَّتِ بِغَايَةٍ لَا يُعْلَمُ مَتَى تَكُونُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: ١٠٩] .

وَقَوْلِهِ تَعَالَى:

{فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا} [النساء: ١٥] .

<<  <  ج: ص:  >  >>