وَمِثْلُ هَذَا جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ.
وَهَلْ يُسَمَّى هَذَا نَسْخًا؟ فِيهِ قَوْلَانِ: قِيلَ: لَا يُسَمَّى نَسْخًا، كَالْغَايَةِ الْمَعْلُومَةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] .
فَإِنَّ ارْتِفَاعَ وُجُوبِ الصِّيَامِ بِمَجِيءِ اللَّيْلِ لَا يُسَمَّى نَسْخًا بِاتِّفَاقِ النَّاسِ.
فَقِيلَ: إِنَّ الْغَايَةَ الْمَجْهُولَةَ كَالْمَعْلُومَةِ. وَقِيلَ: بَلْ هَذَا يُسَمَّى نَسْخًا. وَلَكِنَّ هَذَا النَّسْخَ جَائِزٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْمِلَلِ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ، وَعَلَى هَذَا فَثُبُوتُ نُبُوَّةِ الْمَسِيحِ وَمُحَمَّدٍ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمَا - لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى جَوَازِ النَّسْخِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحُكْمِ الْمُطْلَقِ. وَالشَّرَائِعُ الْمُتَقَدِّمَةُ لَمْ تُشْرَعْ مُطْلَقًا.
وَسَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّ الْإِشْعَارَ بِالنَّاسِخِ وَاجِبٌ، أَوْ قِيلَ: إِنَّهُ غَيْرُ وَاجِبٍ، فَعَلَى الْقَوْلَيْنِ قَدْ أَشْعَرَ أَهْلَ الشَّرْعِ الْأَوَّلِ بِأَنَّهُ سَيُنْسَخُ. فَإِنَّ مُوسَى بَشَّرَ بِالْمَسِيحِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَمُوسَى وَالْمَسِيحُ، وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَشَّرُوا بِمُحَمَّدٍ، وَإِذَا كَانَ هَذَا هُوَ الْوَاقِعَ فَنُبُوَّةُ الْمَسِيحِ وَمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ - لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ثُبُوتِ النَّسْخِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ.
وَحِينَئِذٍ فَنَقُولُ الْعِلْمُ بِنُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَنُبُوَّةِ الْمَسِيحِ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute