أَمَّا كَوْنُهُمْ لَا يُرِيدُونَ ; فَلِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُمْ، (وَيَنْبَغِي) مُضَارِعُ بَغَى يَبْغِي: أَيْ طَلَبَ وَأَرَادَ. فَالَّذِي لَا يَنْبَغِي لِلْفَاعِلِ هُوَ الَّذِي لَا يَطْلُبُهُ وَلَا يُرِيدُهُ، إِمَّا لِكَوْنِهِ مُمْتَنِعًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لِكَوْنِهِ مَمْنُوعًا مِنْهُ. وَالشَّيْطَانُ إِنَّمَا يُرِيدُ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ، لَا يُرِيدُ الصِّدْقَ وَالصَّلَاحَ.
وَمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ مُنَاقِضٌ لِمُرَادِ الشَّيَاطِينِ غَايَةَ الْمُنَاقَضَةِ، فَلَمْ يَحْدُثْ فِي الْأَرْضِ أَمْرٌ أَعْظَمُ مُنَاقَضَةً لِمُرَادِ الشَّيَاطِينِ مِنْ إِرْسَالِ مُحَمَّدٍ، فَنُزُولُ الْقُرْآنِ عَلَيْهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَفْعَلَ الشَّيَاطِينُ مَا لَا يُرِيدُونَ إِلَّا نَقِيضَهُ، وَهُمْ - أَيْضًا - مَمْنُوعُونَ مِنْ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يَصْلُحُ لَهُمْ ذَلِكَ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُمْ كَمَا أَنَّ السَّاحِرَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا. وَالْمَعْرُوفُ بِالْكَذِبِ وَالْفُجُورِ لَا يَنْبَغِي لَهُ - مَعَ ذَلِكَ - أَنْ يَكُونَ نَبِيًّا، وَلَا أَنْ يَكُونَ حَاكِمًا، وَلَا شَاهِدًا، وَلَا مُفْتِيًا ; إِذِ الْكَذِبُ وَالْفُجُورُ يُنَاقِضُ مَقْصُودَ الْحُكْمِ وَالشَّهَادَةِ وَالْفُتْيَا، فَكَذَلِكَ مَا فِي طَبْعِ الشَّيَاطِينِ مِنْ إِرَادَةِ الْكَذِبِ وَالْفُجُورِ يُنَاقِضُ أَنْ تَتَنَزَّلَ بِهَذَا الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ فِي غَايَةِ الصِّدْقِ وَالْعَدْلِ، لَمْ يَشْتَمِلْ عَلَى كِذْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا ظُلْمٍ لِأَحَدٍ.
، ثُمَّ قَالَ:
{وَمَا يَسْتَطِيعُونَ} [الشعراء: ٢١١] .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute