للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَأَخِّرَةِ، لَا يَكُونُ إِلَّا مَعَ جَزْمِهِ بِذَلِكَ، وَتَيَقُّنِهِ لَهُ، وَإِلَّا فَمَعَ الشَّكِّ وَالظَّنِّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ كَذِبُهُ فَيَفْتَضِحَ فَيَرْجِعَ النَّاسُ عَنْ تَصْدِيقِهِ.

وَإِذَا كَانَ جَازِمًا بِذَلِكَ - مُتَيَقِّنًا لَهُ - لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلَّا عَنْ إِعْلَامِ اللَّهِ لَهُ بِذَلِكَ. وَلَيْسَ فِي الْعُلُومِ الْمُعْتَادَةِ أَنْ يَعْلَمَ الْإِنْسَانُ أَنَّ جَمِيعَ الْخَلْقِ لَا يَقْدِرُونَ أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ كَلَامِهِ إِلَّا إِذَا عَلِمَ الْعَالَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَةِ الْبَشَرِ. وَالْعِلْمُ بِهَذَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ مُعْجِزًا، فَإِنَّا نَعْلَمُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِلْمُنَا بِذَلِكَ خَارِقًا لِلْعَادَةِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُ مِنَ الْعِلْمِ ثُبُوتُ الْمَعْلُومِ، وَإِلَّا كَانَ الْعِلْمُ جَهْلًا، فَثَبَتَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ خَارِقًا لِلْعَادَةِ.

وَأَمَّا التَّفْصِيلُ، فَيُقَالُ: نَفْسُ نَظْمِ الْقُرْآنِ وَأُسْلُوبِهِ عَجِيبٌ بَدِيعٌ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ أَسَالِيبِ الْكَلَامِ الْمَعْرُوفَةِ، وَلَمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِنَظِيرِ هَذَا الْأُسْلُوبِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الشِّعْرِ وَلَا الرَّجَزِ وَلَا الْخَطَابَةِ وَلَا الرَّسَائِلِ، وَلَا نَظْمُهُ نَظْمُ شَيْءٍ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ عَرِبِهِمْ وَعَجَمِهِمْ، وَنَفْسُ فَصَاحَةِ الْقُرْآنِ وَبَلَاغَتِهِ هَذَا عَجِيبٌ خَارِقٌ لِلْعَادَةِ، لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ فِي كَلَامِ جَمِيعِ الْخَلْقِ، وَبَسْطُ هَذَا وَتَفْصِيلُهُ طَوِيلٌ، يَعْرِفُهُ مَنْ لَهُ نَظَرٌ وَتَدَبُّرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>