للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّهُ بَذْلُ النَّفْسِ، وَتَعْرِيضُهَا لِلْمَوْتِ، فَفِيهِ غَايَةُ الزُّهْدِ الْمُتَضَمِّنِ لِتَرْكِ الدُّنْيَا كُلِّهَا، وَفِيهِ جِهَادُ النَّفْسِ فِي الْبَاطِنِ، وَجِهَادُ الْعَدُوِّ فِي الظَّاهِرِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ أَعْظَمُ جِهَادًا مِنَ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى. فَإِنَّ الْيَهُودَ خَالَفُوا مُوسَى فِي الْجِهَادِ، وَعَصَوْهُ، وَالنَّصَارَى لَا يُجَاهِدُونَ عَلَى دِينٍ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَجْعَلُ الْعِبَادَاتِ الشَّرْعِيَّةَ لُطْفًا فِي الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، فَلَا رَيْبَ أَنَّ عِبَادَاتِ الْمُسْلِمِينَ - كَصَلَاتِهِمْ وَصِيَامِهِمْ وَحَجِّهِمْ - أَدْعَى إِلَى الْعَدْلِ الَّذِي هُوَ جِمَاعُ الْوَاجِبَاتِ الْعَقْلِيَّةِ، مِنْ عِبَادَاتِ غَيْرِهِمِ الَّتِي ابْتَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مُتَضَمِّنَةٌ لِلظُّلْمِ الْمُنَافِي لِلْعَدْلِ. وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ نُفَاةِ التَّعْلِيلِ، وَرَدِّ ذَلِكَ إِلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ: فَيَكُونُ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ رَاجِعًا إِلَى مَحْضِ مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَتَعَبُّدِهِ لِلْخَلْقِ، وَحِينَئِذٍ فَمَنْ تَكُونُ عِبَادَاتُهُ تَابِعَةً لِأَمْرِ اللَّهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ يَكُونُ مُتَعَبِّدًا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ بِخِلَافِ مَنْ تَكُونُ عِبَادَاتُهُ قَدِ ابْتَدَعَهَا أَكَابِرُهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الرَّابِعِ: فَإِنَّ عِلْمَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِهِ يَتَضَمَّنُ طَاعَةَ اللَّهِ. وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِي عِبَادَاتٍ أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، وَهِيَ عِبَادَاتُ الْمُسْلِمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>