وَكَذَلِكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ وَافَقُوا جَهْمًا عَلَى أَصْلِهِ فِي الْقَدْرِ، لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَوَارِقِ السَّحَرَةِ، لَكِنَّ الْوَلِيَّ مُطِيعٌ لِلَّهِ، وَالسَّاحِرَ غَيْرُ مُطِيعٍ لِلَّهِ، هَذَا عُمْدَةُ هَؤُلَاءِ النُّفَاةِ لِلْحِكْمَةِ وَالْأَسْبَابِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَجُمْهُورُ النَّاسِ يُخَالِفُونَهُمْ، وَيَقُولُونَ: هَذَا الْقَوْلُ فَاسِدٌ بَلْ نَفْسُ تَصَوُّرِهِ كَافٍ فِي الْعِلْمِ بِفَسَادِهِ، فَإِنَّهُ إِذَا تَمَاثَلَ هَذَا وَهَذَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ وُجُودُ هَذَا أَوْ وُجُوبُهُ، وَعَدَمُ هَذَا أَوِ امْتِنَاعُهُ، وَإِذَا قِيلَ: مُسْتَنَدِي الْعَادَةُ. قِيلَ لَهُ: مُنَازِعُوكَ يَقُولُونَ: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّكَ أَنْتَ تُجَوِّزُ انْتِقَاضَ الْعَادَةِ، وَلَيْسَ لِانْتِقَاضِهَا عِنْدَكَ سَبَبٌ تَخْتَصُّ بِهِ، وَلَا حِكْمَةٌ انْتَقَضَتْ لِأَجْلِهَا، بَلْ لَا فَرْقَ عِنْدَكَ بَيْنَ انْتِقَاضِهَا لِلْأَنْبِيَاءِ، وَالْأَوْلِيَاءِ، وَالسَّحَرَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلِهَذَا قُلْتُمْ: لَيْسَ بَيْنَ مُعْجِزَاتِ الْأَنْبِيَاءِ وَبَيْنَ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَالسَّحَرَةِ فَرْقٌ إِلَّا مُجَرَّدُ اقْتِرَانِ دَعْوَى النُّبُوَّةِ وَالتَّحَدِّي بِالْمُعَارَضَةِ مَعَ عَدَمِ الْمُعَارَضَةِ، مَعَ أَنَّ التَّحَدِّي بِالْمُعَارَضَةِ قَدْ يَقَعُ مِنَ الْمُشْرِكِ بَلْ وَمِنَ السَّاحِرِ، فَلَمْ يُثْبِتُوا فَرْقًا يَعُودُ إِلَى جِنْسِ الْخَوَارِقِ الْمُفَعْوِلَةِ، وَلَا إِلَى قَصْدِ الْفَاعِلِ وَالْخَالِقِ، وَلَا قُدْرَتِهِ، وَلَا حِكْمَتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْعَادَةَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَسْبَابٍ وَمَوَانِعَ يُعْلَمُ بِهَا اطِّرَادُهَا تَارَةً، وَانْتِفَاضُهَا أُخْرَى، وَبِهَذَا يَظْهَرُ الْجَوَابُ عَمَّا قَالُوهُ مِنْ أَنَّ انْقِلَابَ الْجَبَلِ ذَهَبًا، وَالْبَحْرَ زِئْبَقًا، وَالْأَنَاسِيَّ قُرُودًا، وَنَحْوُ ذَلِكَ مُمْكِنٌ مَعْلُومُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute