للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَهُ قَصَدَ إِيجَابَهُ وَالذَّمَّ وَالْعِقَابَ عَلَى تَرْكِهِ.

وَتَنَازَعَ النَّاسُ هَلْ يُقَالُ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ سَوَاءً كَانَ وُجُوبُهُ شَرْعِيًّا أَوْ عَقْلِيًّا أَوْ يُحْتَاجُ أَنْ يُقَالَ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ وَكَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ فَهُوَ وَاجِبٌ؟ .

فَالْجُمْهُورُ أَطْلَقُوا الْعِبَارَةَ الْأُولَى وَبَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قَيَّدُوهَا بِالْقُدْرَةِ وَلَا حَاجَةَ إِلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ مَا لَمْ يَكُنْ مَقْدُورًا يَنْتَفِي الْوُجُوبُ مَعَ انْتِفَائِهِ فَيَكُونُ شَرْطًا فِي الْوُجُوبِ لَا فِي فِعْلِ الْوَاجِبِ وَالْجُمْهُورُ قَالُوا: مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إِلَّا بِهِ، فَإِنَّهُ يَجِبُ.

وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ إِذَا أَوْجَبَ عَلَى الْعِبَادِ شَيْئًا وَاحْتَاجَ أَدَاءُ الْوَاجِبِ إِلَى تَعَلُّمِ شَيْءٍ مِنَ الْعِلْمِ كَانَ تَعَلُّمُهُ وَاجِبًا فَإِذَا كَانَ مَعْرِفَةُ الْعَبْدِ لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَنْ يَعْرِفَ مَعْنَى كَلَامٍ تَكَلَّمَ بِهِ بِغَيْرِ لُغَتِهِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى تَعَلُّمِ مَعْنَى تِلْكَ الْأَلْفَاظِ الَّتِي لَيْسَتْ بِلُغَتِهِ أَوْ عَلَى مَعْرِفَةِ تَرْجَمَتِهَا بِلُغَتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ تَعَلُّمُ ذَلِكَ.

وَلَوْ جَاءَتْ رِسَالَةٌ مِنْ مَلِكٍ إِلَى مَلِكٍ بِغَيْرِ لِسَانِهِ لَطَلَبَ مَنْ يُتَرْجِمُ مَقْصُودَ الْمَلِكِ الْمُرْسِلِ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَقُولَ أَنْتَ لَمْ تَبْعَثْ إِلَيَّ مَنْ يُخَاطِبُنِي بِلُغَتِي مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى أَنْ يَفْهَمَ مُرَادَهُ بِالتَّرْجَمَةِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟ ! وَلَوْ أَمَرَ بِهِ بَعْضُ الْمُلُوكِ بَعْضَ رَعَايَاهُ وَجُنُودِهِ بِلُغَتِهِ وَهُمْ قَادِرُونَ عَلَى مَعْرِفَةِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ إِمَّا بِتَعَلُّمِ لُغَتِهِ وَإِمَّا

<<  <  ج: ص:  >  >>