لِيَسْتَرِقَّهُ لِظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ لَمْ يَكُنْ هَذَا ذَنْبًا يَمْنَعُ اسْتِرْقَاقَ الْبَاقِينَ.
وَإِنْ قِيلَ إِنَّ عَدْلَ الرَّبِّ لَيْسَ كَعَدْلِ الْمَخْلُوقِينَ بَلْ مِنْ عَدْلِهِ أَنْ لَا يَنْقُصَ أَحَدًا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَلَا يُعَاقِبَهُ إِلَّا بِذَنْبِهِ لَمْ يَجُزْ حِينَئِذٍ أَنْ يُعَاقِبَ ذُرِّيَّةَ آدَمَ بِذَنْبِ أَبِيهِمْ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُعَاقِبَ الْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ ذَنْبٌ إِلَّا ذَنْبٌ تَابُوا مِنْهُ بِذَنْبِ غَيْرِهِمْ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ مَعْصُومُونَ أَنْ يُقَرُّوا عَلَى ذَنْبٍ فَكُلُّ مَنْ مَاتَ مِنْهُمْ مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ ذَنْبٌ يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فَكَيْفَ يُعَاقَبُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ بِذَنْبِ أَبِيهِمْ إِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ مَاتَ مُصِرًّا عَلَى الذَّنْبِ مَعَ أَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ بَاطِلٌ وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَهُمْ خَطَايَا يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْعُقُوبَةَ بَعْدَ الْمَوْتِ وَتَسْلِيطَ إِبْلِيسَ عَلَى عُقُوبَتِهِمْ مَعَ أَنَّ هَذَا تَقْدِيرٌ بَاطِلٌ فَمَنْ بَعْدَ الْمَسِيحِ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ أَوْلَى بِذَلِكَ فَكَيْفَ يَجُوزُ فِي الْعَدْلِ الَّذِي يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلِينَ عُقُوبَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنْعُ عُقُوبَةِ مَنْ هُوَ دُونَهُمْ بَلْ مَنْ هُوَ مِنَ الْكُفَّارِ.
الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ: أَنَّ الرَّبَّ إِذَا قَصَدَ بِهَذَا دَفْعَ ظُلْمِ إِبْلِيسَ فَهَلَّا اتَّحَدَ بِنَاسُوتِ بَعْضِ أَوْلَادِ آدَمَ لِيَحْتَالَ عَلَى إِبْلِيسَ فَيَمْنَعُهُ مِنْ ظُلْمِ مَنْ تَقَدَّمَ، فَإِنَّ الْمَنْعَ مِنَ الشَّرِّ الْكَثِيرِ أَوْلَى مِنَ الْمَنْعِ مِنَ الشَّرِّ الْقَلِيلِ أَتَرَاهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ إِبْلِيسَ يَعْمَلُ هَذَا الشَّرَّ كُلَّهُ فَهَذَا تَجْهِيلٌ لَهُ أَوْ كَانَ يَعْرِفُ وَعَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ فَهَذَا تَعْجِيزٌ لَهُ ثُمَّ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ زَمَانٍ وَزَمَانٍ أَمْ كَانَ تَرْكُ مَنْعِهِ عَدْلًا مِنْهُ فَهُوَ عَدْلٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute