للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ إِذَا كَانَ مُتَعَذِّرًا لَمْ يُمْكِنِ الْجَزْمُ بِاتِّفَاقِ جَمِيعِ النُّسَخِ لِوَاحِدٍ، حَتَّى يَشْهَدَ بِأَنَّهَا كُلَّهَا مُتَّفِقَةٌ لَفْظًا وَمَعْنًى، بَلْ إِمْكَانُ التَّغْيِيرِ فِيهَا أَيْسَرُ مِنْ إِمْكَانِ الشَّهَادَةِ بِاتِّفَاقِهَا.

وَلِهَذَا لَا يُمْكِنُ أَحَدًا تَغْيِيرُ الْقُرْآنِ، مَعَ كَوْنِهِ مَحْفُوظًا فِي الْقُلُوبِ مَنْقُولًا بِالتَّوَاتُرِ، مَعَ أَنَّا لَا نَشْهَدُ لِجَمِيعِ الْمَصَاحِفِ بِالِاتِّفَاقِ، بَلْ قَدْ يَقَعُ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَصَاحِفِ مَا هُوَ غَلَطٌ يَعْلَمُهُ حُفَّاظُ الْقُرْآنِ، وَلَا يَحْتَاجُونَ إِلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ بِمُصْحَفٍ آخَرَ.

وَتِلْكَ الْكُتُبُ لَا يَحْفَظُ كُلًّا مِنْهَا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ التَّوَاتُرِ حَتَّى تُعْتَبَرَ النُّسَخُ بِهَا، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فِيهِمْ مَوْجُودِينَ، كَانُوا هُمُ الْمَرْجِعُ لِلنَّاسِ فِيمَا يَعْتَمِدُونَ عَلَيْهِ إِذَا غَيَّرَ بَعْضُ النَّاسِ شَيْئًا مِنَ الْكُتُبِ، فَلَمَّا انْقَطَعَتِ النُّبُوَّةُ فِيهِمْ أَسْرَعَ فِيهِمُ التَّغْيِيرُ.

فَلِهَذَا بَدَّلَ كَثِيرٌ مِنَ النَّصَارَى كَثِيرًا مِنْ دِينِ الْمَسِيحِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعْدَ رَفْعِهِ بِقَلِيلٍ مِنَ الزَّمَانِ، وَصَارُوا يُبَدِّلُونَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، وَتَبْقَى فِيهِمْ طَائِفَةٌ مُتَمَسِّكَةٌ بِدِينِ الْحَقِّ إِلَى أَنْ بَعَثَ اللَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَدْ بَقِيَ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ عَلَى الدِّينِ الْحَقِّ طَائِفَةٌ قَلِيلَةٌ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ:

<<  <  ج: ص:  >  >>