أمر العالم وكيف كان الناس يسعون في معايشهم ويتصرفون في أمورهم والدنيا مظلمة عليهم، وكيف كانوا يتهنون بالعيش مع فقد النور.
ثم تأمل الحكمة في غروبها فإنه لولا غروبها لم يكن للناس هدوء ولا قرار مع فرط الحاجة إلى السبات وجموم الحواس وانبعاث القوى الباطنة وظهور سلطانها في النوم المعين على هضم الطعام وتنفيذ الغذاء إلى الأعضاء، ثم لولا الغروب لكانت الأرض تحمى بدوام شروق الشمس واتصال طلوعها حتى يحترق كل ما عليها من حيوان ونبات، فصارت تطلع وقتا بمنزلة السراج يرفع لأهل البيت ليقضوا حوائجهم ثم تغيب عنهم مثل ذلك ليقروا ويهدؤوا، وصار ضياء النهار مع ظلام الليل وحر هذا مع برد هذا مع تضادهما متعاونين متظاهرين بهما تمام مصالح العالم.
وقد أشار تعالى إلى هذا المعنى ونبه عباده عليه بقوله عز وجل {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَاتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}.
وقال ابن القيم أيضا: "ثم تأمل الحكمة في طلوع الشمس على العالم كيف قدره العزيز العليم سبحانه، فإنها لو كانت تطلع في موضع من السماء فتقف فيه ولا تعدوه لما وصل شعاعها إلى كثير من الجهات؛ لأن ظل أحد جوانب كرة الأرض يحجبها عن الجانب الآخر، وكان يكون الليل دائما سرمدا على من لم تطلع عليهم، والنهار سرمدا على من هي طالعة عليهم، فيفسد هؤلاء وهؤلاء، فاقتضت الحكمة الإلهية والعناية الربانية أن قدر طلوعها من أول النهار من المشرق، فتشرق على ما قابلها من الأفق الغربي، ثم لا تزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتى تنتهي إلى المغرب فتشرق على ما استتر عنها في أول النهار، فيختلف