العراق فإنه صعد المنبر ثم قال: {طسم (١) تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (٢) نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٣) إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ ... } إلى قوله: {الْمُفْسِدِينَ (٤)} وأشار بيده نحو الشام. {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ ... } إلى قوله: {الْوَارِثِينَ (٥)} وأشار بيده نحو الحجاز. {وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ ... } إلى قوله: {يَحْذَرُونَ (٦)} [القصص: ١ - ٦] وأشار بيده نحو العراق. يريد بالأولى عبد الملك، وبالثانية أنصار أخيه بمكة، وبالثالثة الحجاج وأنصاره.
السادس: الغاية: وهي التَّحريضُ أو التحذير، وشأنُها أن تقع آخر الخطبة بعد ما تقدم، وقد يقدِّمُها الخطيب ثم يأتي بعدها بغيرها فتصير المقدمةُ دليلاً إذا تَأَخَّرَتْ، وتَعْرَى الخطبةُ عن المقدمة حينئذٍ.
السابع: خاتمة الخطبة: ويحسن فيها أن تكون كلامًا جامعًا لِمَا تَقَدَّمه، أو إشارةً إلى أنه قد أتى على المقصود وانتهى منه، أو أَمْرًا بالتثبيت أو دعاءً أو نحو ذلك، وإنما يكون ذلك عند إتيان الكلام المتقدِّم على الغَرَض المقصود واستيفائِه. وقد يكون ذِكْرُ الشِّعْر في الخطبة إشارةً إلى نهايتها كما سيأتي.
وللبحث عن كيفية تنسيق الخطبة ونَسْجِها مزيدُ تعلُّقٍ بهذا الفن حسبما أشرنا إليه عند الكلام على أصول الخطابة، ولا يكاد يستطيع أحدٌ حَصْرَ الضوابط في هذا الغرض؛ لأنه يأتي على جميع فنون البلاغة والأدب، فيوكَل ذلك إلى حُسْنِ اختيار الألمعي، ورَشِيقِ توقيف المُدَرِّس النِّحْرِير، إلا أنَّ جُمْلَة القول أنه لا يعدو المطابقة لمقتضى أحوال السامعين، واختلاف الأذواق باختلاف مراتب الأذهان والعصور