كما أن المنشئ قد يستطرد الشيء لمناسبةٍ وتعلُّقٍ بالغرض، كذلك يلزمه سَوْقُ معانٍ غير مقصودة بالذات، ولكنَّ المقصود هو ما تعطيه من النتيجة، وتسمَّى حينئذٍ بـ (المقدِّمَات)، وبيان هذا يأتي عند الكلام على الخَطَابة لكثرة وقوعه فيها، وإنما تعرضنا له هاهنا لأنه قد يقع في غيرها، بأن لا يُفضِي المتكلِّمُ إلى غَرَضِه من أول وَهْلَةٍ خشيةَ نفورِ النَّفْس، أو عدم اتضاح المقصود، وعندي أنَّ هذا من جملة ما يُفَرَّقُ به بين مقامات الإطناب والإيجاز، ومنه ما يسمَّى في فن البديع بـ (حُسْنِ التعليل)، وبـ (حُسْنِ الاعتذار)، ومن الاستنتاج ما وقع في كتابٍ كتب به الجاحظ إلى محمد بن عبد الملك يستعطفُه ويطلب عفوَه عن زَلَّةٍ، قال: "أما بعد، فإن كنتُ اجترأتُ عليك فلم أجترئ إلا لأنَّ دوامَ تغافلك عني شبيهٌ بالإهمال الذي يورث الإغفال، والعفو المتتابع يُؤمِنُ مِنَ المكافأة،