يُميِّزُون مسائل هذا الفن بالتدوين، وذلك من منتصَف القرن الثالث، فمنهم من جَمَع ما صَدَر عنه من بديع المراسلات أو الخطب أو المقامات، ومنهم من جَمَع أفضل ما يُؤثَر عن العرب ومَنْ يليهم من غُرَرِ الخطب وبدائع الجُمَل، كما صنع الجاحظ في بيانه (توفي سنة ٢٥٥ هـ)، ومنهم من جَمَع أمثال العرب ومُوجَزَ أقوالِهم، كما فعل أبو منصور الثعالبي في جُلِّ كتبه (توفي سنة ٤٣٠ هـ)، ثم جاء الذين حاموا حول ضبط الأصول وتدوين القواعد، فمزجوا الفَنَّ بمسائل علوم البلاغة والمحسِّنات، وأكثروا فيما عدا ذلك بالوصايا على تَتَبُّع مُنْشَئَات البُلَغَاء من الكُتَّاب، وأتوا بجُملة منها ووازنوا بينها؛ لتحصلَ للمتعلِّم مَلَكَةٌ يقتدِر بها على تمييز الحَسَن من غيره، والنَّسْج على مِنوال ما يراه حسنًا، وفي هذه الطريقة ظهرت أفضلُ كتب الفنِّ وأقربُها إلى الطريقة التعليمية، كما فعل ابن الأثير في (المثل السائر)، وسبقه في ذلك أبو هلال العسكري في (كتاب الصناعتين)(توفي سنة ٣٩٥ هـ) وعلى وَقْع خُطَاهم اقتفى السَّالكون، المطوِّلون كتبَهم والمقصِّرون.
ومَلَكَةُ الإنشاء تُكتَسب من جهة المعنى، ومن جهة ما يُعبِّر عن المعنى وهو اللفظ والكتابة، فالأول ينحصر في معرفة إيجاد المعنى في الفِكْر، وترتيبِه، والاستنتاج منه. والثاني يبحث عن حال اللفظ ومناسبتِه للمعنى مُفرَدًا أو مركَّبًا، وذلك أصول أساليب الكتابة.
هذا وللإنشاء فضيلةٌ واضحةٌ، فإنه لم يَخْلُ عَصْرٌ من رجالٍ تمكَّنوا