إن للفظ حظًّا كبيرًا في الإنشاء، فإنَّ بحسنِه يظهرُ رَوْنَقُ الإنشاء ويترقرق ماؤُه، وإنك لترى المعنى الشريفَ إذا لم يُمنَح من الألفاظ ما يناسبُه أصبح لفظُه له قبرًا، ولم يَطْرُقْ لسامعه فكرًا، وبالعكس قد تغطِّي الألفاظُ الحسنة في حال تركيبها بَسَائِطَ المعاني ومبتذَلَها، فإنَّ الشاعر أو الكاتب أو الخطيب قد يُضطَرُّ إلى أن يَذكُر من المعاني ما ليس له كبيرُ أهميةٍ، إما لكونه على قَدْرِ إفهام مخاطَبيه، وإما لكون ذلك المعنى لا يَقبَلُ تنميقًا فيلزمُه حينئذٍ أن يكسوَ المعنى من حِلْيَةِ الألفاظ ما يُنَبِّهُ مقدارَه، ويُعلِي مَنارَه. وترى هذا في كثيرٍ من الشِّعر التوصيفيِّ كما قلنا فيما تقدم. قال الجاحظ:"إنَّ المعاني إذا كُسِيت الألفاظَ الكريمة، وأُلبِسَت الأوصافَ الرفيعةَ، تحوَّلَتْ في العيون عن مقاديرِ صُوَرِها، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ من البيان لَسِحْرًا".