للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك من جهة الألفاظ والفواصل؛ فألفاظُ الخطب تشبه ألفاظ الكِتَاب في السهولة والعذوبة، وكذلك فواصل الخطبة مثلُ فواصل الرسائل، والفرق بينهما أن الخطبة يُشافَه بها بخلاف الرسالة". وقال في الباب الرابع: "أجناس الكلام ثلاثة: الرسائل، والخطب، والشِّعْر، وكلُّها تحتاج إلى حُسْن التأليف وجودة التركيب". وعليه فكل ما قررناه في قسمي الإنشاء المعنوي واللفظي يجري بعينه ها هنا. ولم نزل نرى الخطابة والكتابة يجريان على سَنَنٍ واحد في اللهجة، ويتلوَّنَان تبعًا لأذواق العصور المختلفة بلونٍ واحدٍ، إلا أنه لا بد لنا من إيضاح الفرق بين الرسالة والخطبة الذي أشار له أبو هلال بقوله: "الفرق بينهما أنَّ الخطبة يُشَافَه بها بخلاف الرسالة" لكيلا يَظُنَّ الواقفُ عليه أن ذلك قُصَارى الفَرْق، وإنما هو يَنْبُوعُ فروقٍ كثيرة؛ إذ لا يخلو حال الكلام المشافَه به من مخالفةٍ لحال الكلام المكتوب المبعوث به، وقد حَضَر لنا من ذلك فروقٌ كثيرة:

أحدها: أن الخطابة يشافَه بها جمعٌ من الناس، فهي من هذا الوجه أولى باستعمال الألفاظ السهلة التناول للجمهور، مع بَسَاطة المعاني وقلة تركيبها والإغراب فيها.

ثانيه: أنها لذلك يجب أن تكون جُمَلها شديدةَ الارتباط قريبةَ التآخي، بحيث لا يحسُن فيها تطويلُ الاستطراد ولا بُعْدُ مَعَاد الضمائر والإشارات ونحوها؛ إذ ليس لذهن سامعِها من التمكُّن في التفهم ما لذهن قارئ الرسالة.

ثالثها: أن السجع الذي هو فنٌّ من فنون الإنشاء لا يحسُن كلَّ

<<  <   >  >>