إنما ينشئ المنشئ معاني يعبَّر عنها بألفاظ، فمادة الإنشاء هو المعنى واللفظ ظَرْفٌ له، فإذا حاول الكاتبُ حتى ابتكرَ شريفَ المعاني أطاعَتْهُ الألفاظُ وجاء إنشاؤُه متينًا واضحًا ولأمرٍ مَّا تفاوت البلغاء والشعراء من العرب في الإجادة، مع أنهم ينطِقون بِلُغَةٍ واحدة، لا يتفاوتون في العلم بها وبخصائصها، وإنما تفاوتُهم في ابتكار المعاني والنَّبَاهة في التعبير عنها، وكذلك الأمر فيمن بعدهم من المولَّدين، فقد تجد الإمامَ في اللغة لا يستطيع إنشاء رسالةٍ ينشئُها مَنْ هو دونَه عِلْمًا، كما قيل:"إنَّ ابنَ دُرَيْدٍ شاعرُ العلماء"، مع أنَّ كثيرًا ممن هو دونه أجودُ منه شِعْرًا بكثيرٍ.
قال الشيخ عبد القاهر في (دلائل الإعجاز): "إنَّ الألفاظ لا تتفاضل من حيث هي ألفاظٌ مجرَّدَةٌ، ولا من حيث هي كَلِمٌ مفردةٌ، وإنما الفضيلة وخِلافُها في مُلاءَمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، وما أشبه ذلك".