فإن كنتَ لا تَهَبُ عقابي لِخِدْمَةٍ فَهَبْهُ لأياديك عندي، وإلا تفعل ذلك فَعُدْ إلى حُسْنِ العادة، وإلا فافعل ذلك لحسن الأُحْدُوثَة، وإلا فأتِ ما أنت أهلُه من العَفْو، دون ما أنا أهلُه من استحقاق العقوبة ... إلخ".
وقد تُقَدَّم النتيجة على مقدِّماتها، فَيُؤتَى بها حينئذٍ كالأدلة، وذلك إذا كان المخاطَب غير متوقَّعٍ نُفُورُه، إما لإنصافه أو لطاعته للمتكلِّم أو نحو ذلك، كما تراه في كتابٍ كتب به أبوبكر الخُوَارَزْمِيِّ لتلميذِه يُؤَنِّبُه على المكابَرة، وهو قوله: "بلغني أنك نَاظَرْتَ، فلمَّا تَوجَّهَتْ عليك الحُجَّةُ كَابَرْتَ، ولما وَقَعَ نِيرُ الحقِّ على عنقك ضَجِرْتَ، وكنت أحسَب أنك أعرفُ بالحقِّ مِنْ أن تَعُقَّه، وأَهْيَبُ لحجابِ العَدْلِ والإنصاف من أن تَشُقَّه، كأنك لم تعلم أن لسان الضَّجَر ناطقٌ بالعَجْز، وأن وجه الظلم مُبَرْقَعٌ بالقبح، وأنك إذا استدركتَ على نقد الصَّيَارِفَة، وتَتَبَّعْتَ غَلَط الحُكَماء والفلاسفة، فقد طَرَقْتَ إلى عَيْبِكَ لعائبك، ونَصَرْتَ عدوَّك على صاحبك، وقد عَجِبْتُ من حُسْنِ ظنِّك بك وأنت إنسانٌ". فحَسُنَ في هذا المقام إفضاؤُه إلى الغَرَض، ثم إتيانُه بما مِنْ شأنِه أن يكون مقدِّمَةً بمنزلة الدَّليل كما يظهر بالتأمُّل.