وأما من جهة المعنى فقد أتاهم بمعنى غريبٍ دقيقٍ مقتبَسٍ مما يُقَرِّرُه المتكلمون في الكَسْب، وهو قولهم:"إنَّ الفعلَ يحصل عند المقدرة لا بها".
وقد روي أن عمر - رضي الله عنه - كان هَمَّ أن يخطب الناس في الحج في أمر الخلافة لَمَّا بلغه أن امرأً قال: لئن مات عمر لأبايعنَّ فلانًا، فما كانت بيعة أبي بكرٍ إلا فَلْتَةً فتمَّت. فقال له ابن عباس رضي الله عنهما:"يا أمير المؤمنين: إنَّ الموسم يجمع رَعَاع الناس، فربما سمعوا منك الكلمةَ فيُطَيِّرُوها عنك كلَّ مَطِير، فتربَّصْ إلى أن ترجع إلى المدينة فتخلُصَ إلى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل العلم". فرأيُ حَبْر الأمَّة وموافقة عمر رضي الله عنهما أَدَلُّ دليلٍ على أنَّ من الأغراض ما يُضَنُّ به عن غير أهله، وفي الحديث:"لا تؤتوا الحِكْمَة غيرَ أهلِها فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتُضيعوها" فبذلك فلتقتدوا.