التقوى، ودِرْعُ الله الحصينة، وجُنَّتُه الوثيقة، فَمَنْ تركه رغبةً عنه ألبسه الله ثوبَ الذُّلِّ وشَمِلَهُ البلاء، وَدُيِّثَ بالصَّغَار، وضُرِبَ على قَلْبِه، وأُدِيلَ الحقُّ منه بتضييع الجهاد، وسِيمَ الخَسْف، ومُنِعَ النَّصَف. ألا وإني قد دعوتُكم إلى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهارًا، وسِرًّا وإعلانًا، وقلتُ لكم: اغزُوهم قبل أن يغزوكم، فوالله ما غُزِي قومٌ في عُقْرِ دارهم إلا ذَلُّوا، فَتَوَاكَلْتُم حتى شُنَّتْ عليكم الغَارَات، ومُلِكَتْ عليكم الأوطان. هذا أخو غامدٍ قد وردت خيلُه الأنبار، وقَتَلَ حسَّان بن حسَّان ... إلخ". فكان الظاهرُ أن يبدأ بذكر دخول خيل أخي غامد للأنبار، ويبني عليه بيان سببه من تواكلهم وتباطئهم، وأنَّ ذلك شأنُ كلِّ مُتَواكِل، لكنه أَخَّرَه حين دعت المناسبة لتقديم ذكر تواكلهم، وأنه مُسَبَّبٌ عن ذُلِّهم المسبَّبِ عن ترك الجهاد المأمور به، فكان لذلك تعلُّقٌ بطالع الخطبة.
وأما الإنشاء: فمقتضى الظاهر ترتيب المعاني على حسب حصولها كما قلنا، وقد يُعدَل عن ذلك لأغراض.