للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الواجب مُؤَاخَاةُ المعنى في الغَرَضِ الواحد في الجَزَالة أو الرِّقَّة، ولهذا عِيب على جميلٍ قولُه:

ألا أيُّها النُّوّامُ ويْحَكُمُ هُبُّوا ... أُسَائِلْكُمُ هَلْ يَقتُل الرَّجُلَ الحُبُّ؟

فقد حكي عن بعض أهل الأدب والعربية أنه قال فيه: "هذا بيتٌ أولُه أعرابيٌّ في شَمْلَتِه، وآخرُه مُخَنَّثٌ مِنْ مُخَنَّثِي العقيق يَتفكَّك".

فإذا وقع الانتقالُ من غرضٍ إلى غرضٍ سَاغَ اختلافُ الوَصْف، وانظر بلاغة قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ ... } إلى قوله: ... {غَفُورٌ رَحِيمٌ} فهو من السهولة. ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ} [النور: ٢٢ - ٢٣]. فهو من الجزالة.

وقد اختَلف ذلك أيضًا في قول أبي فراسٍ -حين أَسَرَه الرُّوم، يَسْتَنْهِضُ سيفَ الدولة لفدائِه منهم، وتَخَلَّلَ من غرضٍ إلى غرضٍ، ثم رجع فأجاد في ذلك-:

(رِقَّة) ... دَعَوتُك للجَفْنِ القريح المسهَّد ... لديَّ وللنَّوْمِ الطَّرِيدِ المشرَّدِ

(جَزَالة) ... ومَا ذاك بُخْلاً بالحياة وإنها ... لأوَّلُ مبذولٍ لأول مجتدِي

(جَزَالة) ... ولكنني أختارُ موتَ بني أبي ... على سَرَوَاتِ الخيل غيرَ مُوسَّد

(رِقَّة) ... وتأبى وآبى أن أموتَ موسَّدًا ... بأيدي النَّصَارى موت أكبد أكمدِ

وَلْنُمَثِّل لِمَا شَمِل السُّهُولة والجَزَالة بكلامِ شيوخِ بني أسدٍ مع امرئ القيس، يسألونه العفوَ عن دمِ أبيه، فتكلَّم قبيصة بن نعيم الأسدي فقال: "إنك في المحلِّ والقَدْر من المعرفة بتصَرُّف الدهر، وما تُحدِثُه أيامُه،

<<  <   >  >>