للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الثاني أنْ أقول: إنِّي لم أرَ في شيء من كتب ابن القيم التصريح بأن معية الله لخلقه معية ذاتية، وإنَّما كان كلامه يدور على إثبات معية العلم والقدرة والإحاطة والرُّؤية لعموم الخلق، وعلى معية النصر والتأييد والكفاية لأنبياء الله وأوليائه، وقد ذكر في كتابه المسمى بـ"اجتماع الجيوش الإسلامية" آياتٍ كثيرة في إثبات علو الرب - تبارك وتعالى - واستوائه على عرشه، ومنها قوله - تعالى - في سورة الحديد: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [الحديد: ٤]، ثم قال: فذكر عموم علمه، وعموم قُدرته، وعموم إحاطته، وعموم رُؤيته، وذكر أيضًا في كتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية" عن القاضي أبي بكر ابن الطيب الباقلاني أنه قال في قول الله - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} [النحل: ١٢٨]؛ يعني: بالحفظ والنصر والتأييد، ولم يرد أنَّ ذاته معهم.

قال: وقوله - تعالى -: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦] مَحمول على هذا التأويل، وقوله - تعالى -: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧]، يعني: أنه عالم بهم وبما خفي من سِرِّهم ونجواهم؛ انتهى، وقد أقره ابن القيم على

<<  <   >  >>