للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإن كانت القوة تظهر بإعداد غيره من آلات الحرب؛ لكون الرمي أشد نكاية في العدو، وأسهل مؤنة؛ لأنه قد يرمي رأس الكتيبة فيصاب فينهزم من خلفه" (١).

والآية أمر جازم بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة، ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت، فهو أمر جازم بمسايرة التطور في الأمور الدنيوية، وعدم الجمود على الحالات الأول إذا طرأ تطور جديد، ولكن كل ذلك مع التمسك بالدين، وقد أمر اللَّه المجاهدين بصلاة الخوف مما يدل على لزوم الجمع بين مكافحة العدو وبين القيام بما شرعه اللَّه جلَّ وعلا من دينه (٢).

وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (المؤمن القويّ خيرٌ وأحبّ إلى اللَّه منَ المؤمِن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما يَنفعك واستعن باللَّه ولا تعجز، وإن أصابك شيءٌ فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قُل: قدر اللَّه، وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان) (٣). قال النووي رحمه اللَّه: "والمراد بالقوة هنا عزيمة النفس والقريحة في أمور الآخرة، فيكون صاحب هذا الوصف أكثر إقداما على العدو في الجهاد، وأسرع خروجا إليه وذهابا في طلبه، وأشد عزيمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في كل ذلك واحتمال المشاق في ذات اللَّه تعالى، وأرغب في الصلاة والصوم والأذكار وسائر العبادات، وأنشط طلبا لها، ومحافظة عليها ونحو ذلك، وأما قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: (وفي كل خير) فمعناه: في كل من القوي والضعيف خير؛ لاشتراكهما في الإيمان مع ما يأتي به الضعيف من العبادات" (٤).

ولا شك أن من أهم أسباب القوة الجهاد في سبيل اللَّه والإعداد له، والآيات والأحاديث الواردة في فضل الجهاد والحث عليه والتحذير من تركه وعواقب ذلك كثيرة


(١) فتح الباري، ٦/ ٩١.
(٢) انظر: أضواء البيان، ٣/ ٣٨.
(٣) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة، رقم: ٢٦٦٤، ٤/ ٢٠٥٢.
(٤) شرح النووي على صحيح مسلم، ١٦/ ٢١٥.

<<  <   >  >>