للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفرق بين الفعل المتعلق بالغير كالقتل أو الزنا، وبين كلمة الكفر أو الفعل كالسجود لغير اللَّه أو حرق المصحف -نسأل اللَّه العافية والسلامة- وذلك لأن التلفظ بالكفر أو فعله لا يوجب وقوع مفسدة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان؛ إذ الكفر الذي يوجب المفسدة إنما هو الكفر بالقلب، بخلاف القتل والزنا فإنه يوجب المفسدة، كما أنه متعلق بحقوق الآدميين وأما الكفر فمتعلق بحق اللَّه عز وجل (١).

[المسألة السادسة: هل يقاس على جواز النطق بكلمة الكفر ما دونها من الأفعال؟]

قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (٢)، "لمَّا سَمَحَ اللَّه تَعَالَى فِي الْكُفْرِ بِهِ، وَهُوَ أَصْلُ الشَّرِيعَةِ، عِنْدَ الْإِكْرَاهِ، وَلَمْ يُؤَاخِذْ بِهِ، حَمَلَ الْعُلَمَاءُ عَلَيْهِ فُرُوعَ الشَّرِيعَةِ، فَإِذَا وَقَعَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهَا لَمْ يُؤَاخَذْ بِهِ، وَلَا يَتَرَتَّبُ حُكْمٌ عَلَيْهِ" (٣).

ومتى ما أمكن المستضعف أن يحمي نفسه وأن يحفظ ماله بما دون النطق بكلمة الكفر كان لزامًا عليه أن يفعل ذلك، وألا ينطق بكلمة الكفر، فيشهد لهذا الأمر قصة الْحَجَّاجُ ابْنُ عِلَاطٍ -رضي اللَّه عنه- (٤)، فعن أنس بن مالك -رضي اللَّه عنه- قال: (لما افتتح رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خيبر قال


(١) انظر: أسنى المطالب، ٤/ ١٠، والمنثور، ١/ ١٨٩، والذخيرة، ١٠/ ٣٠٠.
(٢) سورة النحل، الآية [١٠٦].
(٣) أَحْكَام الْقُرْآن لابن الْعَرَبِيّ، ٣/ ١٦٣، وانظر: التاج والإكليل، ٦/ ٣١٨.
(٤) الحجاج بن علاط -بكسر المهملة وتخفيف اللام- بن خالد بن ثويرة بالمثلثة مصغرا بن هلال السلمي الفهري، يكنى أبا كلاب، كان سبب إسلامه أنه خرج في ركب من قومه لمكة، فلما جن عليه الليل استوحش، فقام يحرس أصحابه، ويقول: أعيذ نفسي وأعيذ صحبي حتى أعود سالمًا وركبي، فسمع قائلًا يقول: {يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا. .} [الرحمن: ٣٣]، فلما قدم مكة أخبر بذلك قريشًا، فقالوا له: يا أبا كلاب، إن هذا فيما يزعم محمد أنه أنزل عليه، فقدم على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وهو بخير فأسلم، ثم سكن المدينة واختط بها دارًا ومسجدًا، ثم نزل حمص ومات في أول خلافة عمر. انظر: الإصابة في تمييز الصحابة، ٢/ ٣٣ - ٣٤، والاستيعاب في معرفة الأصحاب، ١/ ٣٢٥ - ٣٢٦.

<<  <   >  >>