[المطلب الخامس الاعتراف الواقعي فى الفقه الإسلامي]
عند التأمل في سيرة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- نجد أن ما عقده من معاهدات مع اليهود في المدينة، وصلح الحديبية مع قريش لا يمكن اعتباره اعترافًا كاملًا، والظاهر أنه اعتراف واقعي، ولم تتضمن تلك المعاهدات أمورًا دائمة بل أمور مؤقتة ومشروطة ومحددة بخلاف مفهوم الاعتراف القانوني المعاصر.
وفي الفقه الإسلامي نجد بعض التطبيقات التي يمكن مقارنتها بالاعتراف الواقعي ومن ذلك: عقد الذمة، قال الزركشي رحمه اللَّه (١): "وفرق بين قولنا: لا يُمنعون، وبين قولنا: لهم ذلك، لأن عدم المنع أعم من الإذن، والإذن حكم شرعي بالإباحة ولم يرد، وقد استنكر عبارة "المنهاج" فيما إذا صولحوا على أن الأرض لهم أن لهم إحداث الكنائس فإنها تقتضي أنه حق لهم ولم يقل به أحد. وقد ذكر القاضي أبو الطيب في باب الغصب من تعليقه: أنا لا نطلق في حق أهل الذمة فيما يخالفون فيه الشرع لفظ التقرير لا على الكفر ولا على شيء من عقائدهم الخبيثة وإنما جاء الشرع بترك التعرض لهم وفاء بالعقد وحفظا لعقد الأمان الذي جرى بيننا وبينهم. فإن قيل: هذا هو التقرير؟ قلنا: لا؛ لأن التقرير يوجب فَوَاتَ الدَّعْوَى، وترك التعرض لا يوجب فواتها، وإنما هو مجرد تأخير المعاقبة إلى الآخرة ويجوز أن تكون الحجة لازمة
(١) محمد بن بهادر بن عبد اللَّه الزركشي، أبو عبد اللَّه، بدر الدين، تركي الأصل، مصري المولد والوفاة، ولد سنة ٧٤٥ هـ، عالم بفقه الشافعية والأصول، له تصانيف كثيرة في عدة فنون، منها: الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة، والبحر في أصول الفقه، توفي رحمه اللَّه سنة ٧٩٤ هـ، انظر: طبقات الشافعية، ١/ ١٨٣، والاعلام، ٦/ ٦٠، ومعجم المؤلفين، ٩/ ١٢١.