للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثالث متى تكون التَّقِيَّةِ وشروط جوازها

إن الاستضعاف والإكراه يكون سببًا من أسباب حصول التَقِيَّة، وأما الفرق بينها وبين النفاق أن المنافق كافر في قلبه، يظهر بلسانه الإيمان ليأمن على نفسه ويحصل على المزايا، وذلك يكون في حال قوة المسلمين، أما التَّقِيَّة فهي اظهار الكفر أو المعصية، مع اطمئنان القلب بالإيمان، وهي تكون في حال ضعف المسلمين (١).

إذًا التَقِيَّةُ تكون عند الخوف من الكفار حال غلبتهم وقوتهم، ولا تكون حال قوة المسلمين، وكذلك إذا كانت الحالة بين المسلمين مشابهة للحالة مع الكفار جازت التَقِيَّةُ حماية للنفس أو المال، وتكون بالمداراة والتورية والمعاريض بما يُوهم المحبة والموالاة، بشرط أن يضمر خلافه، كما أنه لو أفصح بالإيمان حيث يجوز له التقية كان ذلك أفضل، وهي إنما تجوز فيما لا يرجع ضرره إلى الغير كالقتل وغصب الأموال وشهادة الزور واطلاع الكفار على عورات المسلمين فذلك غير جائز أبدًا (٢).

ويمكن من خلال ما مضى من كلام أهل العلم استنباط شروط جواز التَقِيَّة، وهي:

١. أن التَقِيَّة تكون بعد العجز عن الهجرة إلى محل يقدر فيه على إظهار دينه (٣).


(١) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ١٣/ ١٨٧.
(٢) انظر: مفاتيح الغيب، ٨/ ١٢، والجامع لأحكام القرآن، ٤/ ٥٧، ومعالم التنزيل، ١/ ٢٩٢، جاء في التحرير والتنوير، محمد الطاهر بن عاشور، دار سحنون للنشر والتوزيع: تونس، ط ١، ١٩٩٧ م، ٣/ ٨٠: "ومثل الحالة التي لقيها مسلمو الأندلس حين أكرههم النصارى على الكفر فتظاهروا به إلى أن تمكّنت طوائف منهم من الفرار، وطوائف من استئذان الكفّار في الهجرة إلى بلاد الإسلام، فأذن لهم العدوّ، وكذلك يجب أن تكون التُّقاة غير دائمة؛ لأنّها إذا طالت دخل الكفر في الذراري".
(٣) انظر: روح المعاني، ٢/ ٤٧٩.

<<  <   >  >>