للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني دفع المال للكفار حال الاستضعاف]

بحث الفقهاء مسألة اشتراط أهل الحرب على المسلمين دفع المال لهم، واتفقوا على عدم الجواز في حالة قدرة المسلمين وقوتهم (١)، واستدلوا على ذلك بما يلي:

الدليل الأول: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (٢)، قال العمراني (٣): "وأما عقد الهدنة على مال يُؤخذَ من المسلمين، فإن لم يكن هناك ضرورة لكن كان الإمام محتاجًا إلى ذلك بأن بلغه سير العدو وخافهم، أو كانوا قد ساروا ولم يلتقوا، أو التقوا ولم يظهروا على المسلمين. . . فلا يجوز بذل العوض لهم، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى}، قال الشافعي رحمه اللَّه: "فأخبر اللَّه تعالى أن المؤمنين إذا قَتلوا أو قُتلوا استحقوا الجنة فاستوى الحالتانِ في الثواب فلم يجز دفع العِوَضِ لدفع الثواب؛ ولأن في ذلك إلحاق الصغار بالمسلمين فلم يجز من غير ضرورة" (٤).

الدليل الثاني: النصوص الواردة في النهي عن الهوان والذلة، ومنها: قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (٥)، وفي اشتراط دفع المال للكفار إهانة


(١) انظر: المبسوط، ١٠/ ٨٧، ومنح الجليل، ٣/ ٢٢٩، ومغني المحتاج، ٦/ ٨٨، والإنصاف، ٤/ ٢١١.
(٢) سورة التوبة، الآية [١١١].
(٣) يحيى بن أبي الخير سالم العمراني اليماني، ولد سنة ٤٨٩ هـ باليمن، وكان شيخ الشافعية فيها، توفي سنة ٥٥٨ هـ، انظر ترجمته: طبقات الشافعية، ٢/ ٣٢٧ - ٣٢٨، والأعلام، ٨/ ١٤٦.
(٤) البيان، ١٢/ ٣٠٧، وعبارة الإمام الشافعي رحمه اللَّه في كتابه الأم، ٤/ ١٩٩: "وقد اختصرها العمراني".
(٥) سورة آل عمران، الآية [١٣٩].

<<  <   >  >>