للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد حذرنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- من ترك الجهاد والانشغال عنه وبين لنا أن عاقبة ذلك وهو الذل، فقال: (إذا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ، وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ، وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ، وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ، سَلَّطَ اللَّه عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حتى تَرْجِعُوا إلى دِينِكُمْ) (١).

والحديث فيه تحذير ووعيد شديد عن الاشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد، وإهمال القيام بوظائف العبادات، وترك الجهاد في سبيل اللَّه المتعين فعله، وعاقبة ذلك الذُل والهوان والضعف، ولا يرفع إلا بالرجوع إلى الدين، فجعل هذه الخصال من غير الدين ومرتكبها تارك للدين للمزيد من الزجر والتهويل والتقريع لفاعلها (٢).

كما بين لنا النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- عاقبة ترك الجهاد، بقوله: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)، فقال ثوبان: بأبي أنت وأمي يا رسول اللَّه ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: (لا بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن اللَّه من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن اللَّه في قلوبكم الوهن)، قالوا: وما الوهن يا رسول اللَّه؟ قال: (حب الدنيا وكراهية الموت)، وفي رواية: (وكراهية القتال) (٣).

و"أصل الوهن والضعف عن الجهاد ومكافحة العدو هو حب الدنيا، وكراهية بذل النفوس للَّه، وبذل مهجها للقتل في سبيل اللَّه، ألا ترى إلى حال الصحابة -رضي اللَّه عنهم- وقلتهم في


(١) أخرجه أبو داود، كتاب البيوع، باب في النهي عن العينة، رقم: ٣٤٦٢، ٣/ ٢٧٤، وأحمد، رقم: ٥٥٦٢، ٢/ ٨٤، وقال الزيلعي: "صحيح ورجاله ثقات"، نصب الراية لأحاديث الهداية، عبد اللَّه بن يوسف الحنفي الزيلعي، تحقيق: محمد البنوري، مصر: دار الحديث، ط ١، ١٣٥٧ هـ، ٤/ ١٦.
(٢) انظر: عون المعبود، ٩/ ٢٤٢، وفيض القدير، ١/ ٣٩٧.
(٣) أخرجه أبو داود، كتاب الملاحم، باب في تداعي الأمم على الإسلام، رقم: ٤٢٩٧، وأحمد، ٢/ ٣٥٩، وابن أبي شيبة، ٧/ ٤٦٣، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، ٧/ ٥٦٣: "رواه أحمد والطبراني في الأوسط بنحوه وإسناد أحمد جيد".

<<  <   >  >>