كتاب الاستضعاف وأحكامه في الفقه الإسلامي

الفصل الثالث الأمور والضوابط التي ينبغي على المستضعفين الأخذ بها ومراعاتها - المبحث الخامس الأخذ بضوابط العمل بالضرورة والحاجة - ص: 208

وكذلك إذا تعارضت مصلحة دينية مع مصلحة دنيوية "فالأول مقدم؛ لأن ثمرة الدينية هي السعادة الأبدية التي لا يعادلها شيء" (١)، ومما يستدل به على هذه القاعدة قصة وفد بني عامر بن صعصعة وكان فيهم عامر بن الطفيل والذي خَيَّرَ النبي عليه الصلاة والسلام بين ثَلاثِ خِصَالٍ فَقال: (يكون لك أهْلُ السَّهْلِ ولِي أهْلُ المَدَر أوْ أكُونُ خَلِيفَتَكَ أوْ أغْزُوكَ بأهْلِ غَطَفَانَ بألْف وألْفٍ) (٢)، فرد عليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: (ليس ذلك لك، ولا لقومك، ولكن لك أعنة الخيل)، قال: أنا الآن في أعنة خيل نجد، اجعل لي الوبر، ولك المدر، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (لا)، فلما قفا من عند رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال عامر: أما واللَّه لأملأنها عليك خيلًا ورجالًا، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: (يمنعك اللَّه) (٣)، وهذا ما جرى له فقد طعن في بيت امرأة، ونزل به الطاعون فهلك.

إن الرسول عليه الصلاة والسلام رفض عرض عامر ولم يفرط في حق الأمة في تحديد من يحكمها بالرغم من التهديد الشديد، وبهذا ندرك أن القواعد الاعتقادية والتشريعية لا يجوز للمسلمين التنازل عنها أو التحاور حولها بل تصان بكل وسيلة، سواء أكانت بالمال، وإن لزم الأمر بالنفس، والرسول عليه الصلاة والسلام لم يوافق على هذه المصلحة والتي

---

(١) التمهيد في تخريج الفروع على الأصول، عبد الرحيم الأسنوي، تحقيق: د. محمد هيتو، مؤسسة الرسالة: بيروت، ط ١، ١٤٠٠ هـ، ١/ ٥١٥.
(٢) أخرجه البخاري، كتاب المُغَازِي، باب غزوة الرجيع، رقم: ٣٨٦٤، وبقية الحديث: (فَطُعِنَ عامِرٌ في بَيْتِ أُمِّ فُلانٍ، فَقال: غُدَّةٌ كغدةِ البَكْرِ في بَيْتِ امْرَأةٍ مِنْ آلِ فُلانٍ ائْتُونِي بِفَرَسِي فَمَاتَ علَى ظَهْرِ فرَسِهِ).
(٣) رواه الطبراني في المعجم الكبير، ١٠/ ٣١٢، رقم: ١٠٧٦٠، ومصنف عبد الرزاق، ١١/ ٥١، رقم: ١٩٨٨٤، وقال في مجمع الزوائد، ٧/ ٤٢: "وفي إسنادهما عبد العزيز بن عمران وهو ضعيف".