للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن جرير رحمه اللَّه: "وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: عُني بذلك: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ} من جميع أصناف الملل والأديان أن تبروهم وتصلوهم وتقسطوا إليهم، إن اللَّه عز وجل عم بقوله الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم جميع من كان ذلك صفته، فلم يخصص به بعضًا دون بعض، ولا معنى لقول من قال: ذلك منسوخ؛ لأن بر المؤمن من أهل الحرب ممن بينه وبينه قرابة نسب، أو ممن لا قرابة بينه وبينه ولا نسب غير محرم ولا منهي عنه إذا لم يكن في ذلك دلالة له أو لأهل الحرب على عورة لأهل الإسلام أو تقوية لهم بكراع أو سلاح" (١).

وفي نهاية هذا المطلب أشير إلى بعض الأمور والمسائل وهي:

١ - هذه الاستعانة لا تعدو أن تكون من الحلف أو الدخول في الجوار الذي سبق بيان جوازه وشروط ذلك في الفصل الثاني.

٢ - ينبغي عند الاستعانة بتلك الجهات أن يغلب على الظن تحقيق المصالح ودرء المفاسد من خلال هذه الاستعانة، أما إن كانت ستؤدي إلى ضياع الحقوق فيحرم ذلك.

٣ - ينبغي ألا يترتب على هذه الاستعانة إذلال وصغار للمسلمين أو مداهنة أو تنازل عن العقيدة لمجاراة أو مجاملة هذه الأطراف أو الجهات، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا} (٢)، والآية تنهى عن الاعتزاز بالكفار (٣)، وإنما يكون الاعتزاز بالكفار في حال ذل المسلمين لهم، أما مجرد المطالبة والتعاون على ما فيه مصلحة الإنسانية، كقضايا حقوق الأسرى، وحقوق


(١) جامع البيان عن تأويل آي القرآن، ٢٨/ ٦٦.
(٢) سورة النساء، الآية [١٣٩].
(٣) انظر: أحكام القرآن للجصاص، ٣/ ٢٧٧.

<<  <   >  >>