نوع: لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات وتحريم المحرمات والحدود المقدرة بالشرع على الجرائم ونحو ذلك، فهذا لا يتطرق إليه تغيير، ولا اجتهاد يخالف ما وضع عليه.
والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زمانًا ومكانًا وحالًا كمقادير التعزيرات وأجناسها وصفاتها، فإن الشارع ينوع فيها بحسب المصلحة، فشرع التعزير بالقتل لمدمن الخمر في المرة الرابعة، وعزم على التعزير بتحريق البيوت على المتخلف عن حضور الجماعة، لولا ما منعه من تعدي العقوبة إلى غير من يستحقها من النساء والذرية، وعزر بحرمان النصيب المستحق من السلب، وأخبر عن تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله" (١).
وقال ابن تيمية رحمه اللَّه: "وللشريعة أسرار في سد الفساد وحسم مادة الشر؛ لعلم الشارع بما جُبلت عليه النفوس، وبما يخفي على الناس من خفى هداها الذي لا يزال يسري فيها حتى يقودها إلى الهلكة، فمن تحذلق على الشارع واعتقد في بعض المحرمات أنه إنما حرم لعلة كذا وتلك العلة مقصودة فيه فاستباحه بهذا التأويل، فهو ظلوم لنفسه جهول بأمر ربه، وهو إن نجا من الكفر لم ينج غالبا من بدعة أو فسق أو قلة فقه في الدين وعدم بصيرة، أما شواهد هذه القاعدة فأكثر من أن تحصر. . . إن اللَّه سبحانه أوجب إقامة الحدود سدا للتذرع إلى المعاصي، إذا لم يكن عليها زاجر، وإن كانت العقوبات من جنس الشر، ولهذا لم تشرع الحدود إلا في معصية تتقاضاها الطباع، كالزنا والشرب والسرقة والقذف، دون أكل الميتة والرمي بالكفر ونحو ذلك، فإنه اكتفى فيه بالتعزير، ثم إنه أوجب على السلطان إقامة الحدود إذا رُفعت إليه الجريمة وإن تاب العاصي عند ذلك وإن