للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} (١)، وقال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٢)، "فعلى جميع الخلق أن يحكموا رسول اللَّه خاتم النبيين وأفضل المرسلين وأكرم الخلق على اللَّه، ليس لأحد أن يخرج عن حكمه في شيء سواء كان من العلماء أو الملوك أو الشيوخ أو غيرهم" (٣).

فإن قيل: إن الحدود تدرأ بالشبهات (٤) وذلك في حال القوة، فالقول باستبدالها في حال الضعف أيسر من درئها.

والجواب عن هذا بأنه قياس فاسد؛ لأن درء الحدود بالشبهات مما جاءت به الشريعة، فهو جزء من تطبيق الشريعة وأحكامها، أما تعطيل الحدود فقد منعت منه الشريعة، كما أن الدرء ليس كاستبدال الحدود بأحكام جديدة بعد اكتمال الدين، كما أنه ليس كإضعاف الغرم الذي قال به الفقهاء، قال الإمام أحمد رحمه اللَّه: "وكل من درأنا عنه الحد والقود، أضعفنا عليه الغرم" (٥).

ودرء الحدود بالشبهات مما خُولف فيه الدليل بالتأويل، أما استبدال الحد فهو مخالفة للدليل بلا تأويل سائغ شرعًا (٦).


(١) سورة الأحزاب، من الآية [٣٦].
(٢) سورة النور، الآية [٥١].
(٣) الفتاوى، ٣٥/ ٣٦٣.
(٤) والشبهة هي: "ما يشبه الثابت وليس بثابت"، البحر الرائق، ٥/ ١٢، أو "الشُّبْهَةُ التَّعَارُضُ بَيْنَ أَدِلَّةِ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ"، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، ٢/ ١٦٢، والمراد بدرء العقوبات أو الحدود: دفعها وعدم تطبيقها على الجاني لوجود اللبس لدى الجاني أو الشك في الفعل في كونه جريمة أصلًا, أو في كونه حدًا كاملًا، أو حتى في وقوعه.
(٥) إعلام الموقعين، ٣/ ١١.
(٦) انظر: الفروق، ١/ ٣٠٣.

<<  <   >  >>